مسألتان في المواريث

مسألتان في المواريث

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله وسلّم على محمّد وآله

(1) إرث أولاد الكلالات

مقدّمة:

المعروف بيننا أنّ أولاد الإخوة لا يرثون مع الأخوة مطلقاً[1]، كما لا شبهة ولا خلاف بيننا في أنّ أولاد الإخوة والأخوات وإن نزلوا يقومون مقام آبائهم في الإرث وفي مقاسمة الأجداد، فلو خلّف الميّت أولاد أخ لأم أو أخت لها خاصّة كان المال كلّه لهم بالسويّة، من غير فرق بين الذكر والأنثى، ولو خلّف أولاد أخ لأب وأمّ أو لأب مع عدمهم كان المال كلّه لهم بالسوية مع الاتفاق بالذكورة والأنوثة، هذا.

[مركز الخلاف:]

وأمّا مع الاختلاف فالمعروف أنّ للذكر ضعف ما للأنثى، بل لا خلاف في ذلك- كما في الرياض[2]-، بل عليه الإجماع- كما في المستند[3]-، ولكن لم يستبعد سيّد الأعاظم+ وجملة من تلامذته أن تكون قسمة المال بينهم أيضاً بالسويّة[4].

ولعلّ الوجه في ذلك ما أفيد من "أنّ كلاً منهم يأخذ نصيب من يتقرّب به بقاعدة أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، مثلاً العمة بمنزلة الأب وتأخذ نصيبه، والخالة بمنزلة الأمّ وتأخذ نصيبها، وبنت الأخ من الأمّ بمنزلة الأخ منها وتأخذ نصيبه وهكذا، وعلى هذا فإذا ترك الميت أولاد أخ من أبوين أو أب ذكوراً وإناثاً كانوا جميعاً يرثون نصيب أبيهم، ومقتضى القاعدة أنّهم مشتركون فيه على حدّ سواء وبدون تفاضل، فالتفاضل بحاجة إلى دليل، ولا يوجد دليل خاصّ عليه في المسألة، وأما ما دلّ عليه في الأولاد والإخوة والأخوات والأجداد والجدات [فـ]لا يشمل المقام"[5].

بيان:

إنّ مدرك القاعدة المزبورة روايات ثلاث: 

صحيحة أبي أيوب الخزّاز عن أبي عبد اللهg قال: >إنّ في كتاب علِيٍّg أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارثٌ أقرب إلى الميّت منه فيحجبه<[6].

وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللهg قال: >كان علِيٌّg يجعل العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأمّ وابن الأخ بمنزلة الأخ، قال: وكلّ ذي رحم لم يستحقّ له فريضة فهو على هذا النحو، قال: وكان علِيٌّg يقول: إذا كان وارث ممّن له فريضة  فهو  أحقّ  بالمال<[7].

ومرسلة يونس عن رجل عن أبي عبد اللهg قال: >إذا التفّت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه<[8].

والمراد بكلّ ذي رحم وبالمتقرّبِ- المستفادِ من قوله: «قام كلّ واحد منهم مقام قريبه»- هو الأعمّ من الشخص والنوع، وعليه فالروايات بصدد بيان أصل إرث المتقرّب لا في مقداره، فإذا تعدّد المتقرّب- والفرض عدم التفصيل- فيحمل الإرث لا محالة على التساوي[9].

[حجّة التفاضل:]

وفي المقابل قد استدلّ للتفاضل بين الذكر والأنثى- مضافاً للإجماع- بوجهين:

الأوّل: ما أفاده المحقّق العامليّS من أنّ أخبار الباب[10] قد دلّت على أربعة أمور، أحدها: وهو ما دلّ عليه أكثرها أنّ ابن الأخ كالأخ، الثاني: أنّ بنت الأخ كالأخ، الثالث: أنّ ابن الأخت كالأخت، الرابع: أنّ بنات الأخت كالأخت، وفي بعضها التقييد بالأب، وفي آخر التقييد بالأم، وفي بعضها أطلق من غير تقييد- إلى أن قال+- وقضية هذه الأخبار أنّ حالهم حال آبائهم في جميع الأحكام، فما دلّ هناك على أخذ المنفرد المال، وأنّ النصف للواحدة للأب، وأنّ الثلثين للاثنين فما زاد، وأنّ القسمة بين ذوي الأب بالتفاوت، وبين ذوي الأم بالتساوي، وأنّ للواحد من الأم السدس، وأنّ الثلث سهم ما زاد إلى غير ذلك من الأحكام المتقدمة- جارٍ بعينه[11].

ويلاحظ عليه: أنّ ما أفيد من أمر الاقتضاء لا يصل إلى حدّ الظهور، فإنّ مجرّد كون أولاد الإخوة يرثون آبائهم مع كون إرث آبائهم بنحو التفاضل لا يدلّ على كون إرث الأولاد كذلك.

وإذا كان يريد أنّ التفاضل مقتضى الإطلاق المقاميّ، وأنّه لو كان إرث الأولاد بالتساوي لبُيِّن، وحيث لا فإرثهم على نسق إرث آبائهم- فيلاحظ عليه بأنّ روايات الباب إنّما تدلّ على مشاركة ابن الأخ أو بنته أو ابن الأخت للجدّ فلا نظر لها لفرض تعدّد الأبناء ليكون مقتضى الإطلاق المقاميّ التفاضل مثلما هو في آبائهم، كما أنّ القاعدة لا تتحدّث عن خصوص إرث أولاد كلالة الأب ليكون لها إطلاق مقاميّ بالتفاضل. 

الثاني: صحيحة الأحول قال: قال ابن أبي العوجاء: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً، ويأخذ الرّجل سهمين؟! قال: فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد اللهg فقال: >إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة، وإنّما ذلك على الرّجال، فلذلك جَعل  للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين<[12].

فإنّ عموم العلّة يقتضي سريان الحكم، وإن شئت قلت: المشهور في ألسنتهم: أنّ العلّةتعمِّم وتخصِّص[13].

ويلاحظ عليه أنّ من المحتمل كون اللام في عنواني (الرّجل) و(المرأة) عهديّة، وأنّ التعليل لما علم التفاضل بينهما كالأولاد والإخوة والأخوات والأجداد والجدّات، لا لمطلق الرّجل والمرأة وفي جميع الموارد عدا ما استثني، وبعبارة أخرى: كان السؤال عن الإرث المعهود  المرتكز في ذهن السائل فجاء الجواب ببيان علّته، فكما يحتمل كونه في جميع الطبقات يحتمل ما كان من أهل الفريضة، وهو القدر المتيقّن، ومعه فلا ينهض التعليل للحكم بالتفاضل في مقامنا. 

النتيجة:

فتحصّل أنّ كلا وجهي التفاضل غير تامّ، ولكن كما أنّ التفاضل وأنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين بحاجة إلى دليل، كذلك التسوية وأنّ للذكر مثل حظّ الأنثى هي الأخرى بحاجة إلى دليل؛ فإنّ أقصى ما دلّت عليه أخبار الباب أصل مسألة إرث أولاد الإخوة والأخوات، فإنّ معظم أخبار الباب تتحدّث عن قيامهم مقام آبائهم في مقاسمة الجدّ في مقابل ما عليه العامّة من عدم توريث ولد الأخ مع الجدّ، وأنّ الميراث للجدّ خاصّة[14]، ومن هنا فلزوم الاحتياط بالتصالح في مقدار التفاضل في محلّه، كما عليه جملة من الأعلام[15]، لا سيما بعد عدم نقل خلاف في التفاضل بين الذكر والأنثى في مسألتنا لدى المتقدّمين والمتأخّرين، بل لا خلاف- كما في الرياض-، بل عليه الإجماع – كما في المستند-. 

والحمد لله أولاَ وآخرا، وصلّى الله على محمّد النبيّ وآله.

(2) إرث الزوجة ذات الولد من الأرض

مقدّمة:

قال السيّدN في الانتصار: "وممّا انفردت به الإمامية أنّ الزوجة لا تورَّث من رباع المتوفّى شيئاً"[16]، وقال الشيخN في الخلاف: "لا ترث المرأة من الرِّباع والدور والأرضين شيئاً، بل يقوَّم الطوب والخشب فتعطى حقَّها منه، وخالف جميع الفقهاء في ذلك،  وقالوا: لها الميراث من جميع ذلك، دليلنا: إجماع الفِرقة وأخبارهم"[17]، وقال الشهيدN في غاية المراد: "كلّ وارث فإنّه يرث من جميع متروكات مورِّثه إلا الزّوجة؛ فإنّ أهل البيتi أجمعوا على حرمانها من شيء ما، ولم يخالف في هذا من علماء الإماميّة إلا ابن الجنيد،  وقد سبقه الإجماع وتأخّر عنه"[18]، وقال صاحب الجواهرS- بعدما حكى عن الدعائم قوله: "فأمّا ما كان من الأرض مملوكاً للموروث فللنساء منه نصيب، كما قال الله تعالى، هذا الّذي لا يجوز غيره)-: فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماعِ ابنَ الجنيد ولحوقه المستفادِ  ذلك من تسالم النصوص عليه- التي هي فوق مرتبة التواتر- والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرّض بعض الكتب للمسألة، ولعلّه لوضوحه وظهوره، بل العامّة تعرف ذلك من الإمامية، ومن هنا اتجه حمل الصحيح المزبور[19] على التقيّة، كما يتّجه تخصيص العمومات بالمتواترِ من النصوص والإجماعِ المحكيّ بل وبالإجماع المحصّل، فلا ينبغي الإطناب في ذلك"[20].

[مسألتنا والأقوال فيها:]

وبعد الفراغ عن أصل حرمان الزوجة من الرباع والأرضين يقع الكلام في إطلاقه لما إذا كان لها ولد من الزوج، فلا تفصيل في حرمانها، وقد ادّعى عليه ابن إدريس& الإجماع صريحاً[21]، وهو ظاهر الكلينيّN‌[22]، والمفيدN‌[23]، والمرتضىN‌[24]، والشيخ‌N‌ في الاستبصار[25]، والحلبيّN‌[26]، وابن زهرةN‌[27]، والمحقّقN‌ في المختصر[28]. والتفصيل والقول باختصاص غير ذات الولد من الزوج بالحرمان هو مذهب الصدوق‌N‌[29]، والشيخN‌ في النهاية[30]، والقاضيN‌[31]، وابن حمزة‌N‌[32]، والمحقّقN‌ في الشرائع[33]، ونسبه في المسالك والكفاية إلى المشهور خصوصاً بين المتأخّرين[34].

[مستند التفصيل:]

ثمّ إنّ عمدة ما استند إليه المفصّلون هو ما رواه الشيخN بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة في النساء إذا كان لهنّ ولد أُعطين من الرّباع. ورواه الصدوقN بإسناده عن محمّد بن أبي عمير[35]؛ فإنّه بعد أن كانت النسبة بينه وبين ما استفاض من الروايات بحرمان الزوجة من الرّباع والأرض[36] هي نسبة الخاصّ إلى العامّ، فيحمل العامّ على الخاصّ، والنتيجة هي حرمانها منها إلا أن يكون لها من زوجها ولدٌ فلا تُحرم منها.

[مناقشة السند:]

ويلاحظ على الاستدلال بها سنداً أوّلاً: بأنّها وإن كانت صحيحة السند إلى ابن أُذينة إلا أنّه لم يروها عن المعصوم، فهي مقطوعة، ومن المحتمل أن يكون رأياً له، والظنّ بكونه عن المعصوم ما لم يبلغ حدّ الاطمئنان لا يغني من الحقّ شيئاً، ووجه كونه رأياً له هو استظهار ذلك من علّة الحرمان أو حكمته، نحو: >لئلا تتزوّج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم<[37] بدعوى عدم تناولها لذات الولد. ويردّه بأنّ ذات الولد- هي الأخرى- وإن كان ولدها ليس أجنبيّاً ودخيلاً على أهل المواريث،  ولكنّها  لو تزوّجت وأنجبت- وكانت قد دخلت مع أهل المواريث في رباعهم وأراضيهم-، فلو خلّفت زوجاً أو ولداً كانت سبباً في إفساد مواريثهم بإدخالها زوجها وولدها عليهم، وهم دخلاء عليهم.

وثانياً: لو تمّ استبعاد أن تكون المقطوعة رأياً لابن أذينة؛ إذ ليس هو ممّن عُهد عنه قولٌ اجتهاداً كالفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمن، وسلّمنا بأنّها رواية عن المعصوم- سيّما بعد إيراد الصدوق والشيخP لها في كتب الرواية- إلا أنّه- بعد كون المسألة عامّة البلوى- لو كان حكمها ما جاء في المقطوعة من التفصيل بين ذات الولد وغيرها لظهر وبان بالنحو الّذي اتفق في أصل الحرمان، ولقد أجاد الفقيه السيّد السبزواريS فيما أفاده بقوله: "ولكنّ اعتماد الفقيه في مثل هذا الحكم العامّ البلوى على مقطوعة ابن أذينة الّتي لم يعلم صدورها  عن المعصوم- بعيد جدّاً، كما أنّ اكتفاء مهابط الوحي في التشريع والإبلاغ بها- بعيدٌ فوق العادة عن مقام الإمامة أيضاً"[38].

وثالثاً: لو بنينا على كونها روايةً عن المعصوم إلا أنّ من المحتمل أن تكون هذه الرواية منه عن المعصوم بواسطة، وأن تكون هذه الواسطة ممّن لا يعتمد عليه؛ إذ إنّ ابن أُذينة كما يروي عن الثقات يروي عن غيرهم أيضاً، إذن لو كانت هذه رواية فهي في حكم المرسلة، هذا.

[مناقشة الجمع:]

ويلاحظ على الجمع بين المستفيض والمقطوعة- لو تجاوزنا مشكل السند فيها- أوّلاً: بأنّ نتيجته هي إخراج الأكثر أو الكثير من تحت المستفيض، وهو غير عرفيّ؛ فإنّ التحصيص- تقييداً وتخصيصاً- إنّما يصحّ مع بقاء الكثير تحت المطلق والعامّ نظراً لقانونيّتهما، سيّما مع تكثّرهما، وما هو عرفيٌّ هو أنّ تأتي تلكم الخطابات- فيما نحن بصدده- من الأوّل مضيّقة لا تتناول الزوجة الّتي للزوج منها ولد، ولا يشفع لإرادة الضيق أن تشفع بمقيّدات متعدّدة على نسق المقطوعة؛ إذ هو خُلْف القانونيّة، كيف ولم نرَ إلا المقطوعة؟!، ولقد أجاد المحقّق النجفيّS فيما أفاد- بعد أن رأى قوّة الظنّ بإرادة الزوجة ذات الولد أيضاً من أدلّة الحرمان لا خصوص غير ذات الولد بملاحظة كثرة النصوص مع عدم إشعار شيء منها بالتفصيل- حينما قال: "بل ظاهرها جميعاً من حيث التعبير بالزوجة الشاملة لهما خلافه [يعني خلاف التفصيل]،  بل من عرف طريقتهم في أمثال ذلك- من عدم الإيكال على علم السامع ونحوه، وعدم التعبير بالوهم (بالموهم خ ل)- يكاد يجزم بعدم ذلك"[39]

وثانياً: بأنّ من روايات المستفيض ما تعرّض لحصّة الزوجة من الربع؛ أي: حيث لا يكون للزوج ولد أو الثُمن حيث يكون له ولد، منها صحيحة الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر وأبي عبد اللهh، (منهم من رواه عن أبي جعفرg، و) منهم من رواه عن أبي عبد اللهg،  ومنهم من رواه عن أحدهماh: أنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب والخشب قيمةً، فتعطى ربعها أو ثمنها «إن كان لها ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب»[40]، ومنها صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد اللهg قال: لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً، ولكن يقوّم البناء والطوب، وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: «وإنّما ذلك لئلا يتزوجنّ فيفسدنّ على أهل المواريث مواريثهم»[41]، فإنّه في فرض وجود الولد للزوج فحصّتها من البناء هو الثمن، ولا ترث من العقار،  فإذا قيّدنا  الصحيحتين بالمقطوعة كانت النتيجة أنّ الباقي تحت «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً» فيهما هو ما إذا كان الولد من غيرها وكان له أكثر من زوجة، ويأتي فيه ما ذكرناه في سابقه وبصورة أكثر بُعداً عمّا هو العرفيّ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنّ نصوص الحرمان قد تعرّضت لحصّة الزوجة على تقدير أن يكون لزوجها المتوفّى ولد، وهي الثُمن، وعلى تقدير ألا يكون له ولد، وهو الرُبع، فلو كان تقييدها مراداً لكان إطلاقها مستهجناً بنظر العرف المحاوريّ؛ إذ هي بحسب إطلاقها تتحدّث عن مطلق الزوجة- ذات ولد أو غيرها-، وأن لها رُبعاً على تقدير، وثُمناً على آخر، وبلا فرقٍ بين الرباع والأراضي وبين غيرها من البناء والأشجار والمنقولات، فلو كان تقييدها مراداً جدّاً لأهملت ما هو أهمّ من أمر الحصّة- رُبعاً أو ثُمناً- الّذي تعرّضت له، وهو أنّ الربع والثمن إنّما هو من خصوص البناء والأشجار والمنقولات دون الرباع والأراضي، والحال أنّه الأولى بالذكر لو كان مراداً- لا أن يهمل- ولو بالالتفات إلى كون الرباع والأراضي أثمن من سائر أموال التركة[42].

وثالثاً: أنّ الكثرة الكاثرة للنصوص الحرمان ممّا يحيل عرفاً تخصيصها أو تقييدها برواية وحيدة، ولنعم ما قاله الشيخ الأعظمS: "والمقطوعة لا تصلح لتخصيص عمومات كثيرة"[43]، ومثله -مع البيان- ما جاء في رسالة الفقيه الأراكيS بقوله: "ولايخفىأنّ‌ رفع اليد عن مثل هذه الأخبار المتكاثرة لأجل مقطوعة لم يعلم كونها رواية أو فتوى لابن أذينة- لا يخلو عن برودة وحزازة، بل ولو سلّم وجود الأمارة الدالّة على كون هذه المقطوعة خبراً ورواية أيضاً لا يمكن أن يقاوم تلك الأدلّة؛ لأقوائيّتها وأظهريّتها؛ لكثرتها جدّاً بحيث لا يمكن رفع اليد عنها برواية واحدة"[44]، والحاصل أنّ تكثّر خطابات الحرمان المطلقة يأبى عرفاً عن تقييدها، لا لصيرورة مضمونها مقطوع الصدور ببركة الكثرة؛ فإنّه بمجرّده لا يأبى ذلك، كما لو المطلَق آية قرآنيّة، بل لأنّ التكثّر وتتابع الخطابات المطلقة يؤكّد إرادة الإطلاق، فيستعصي على التقييد بحسب العرف المحاوريّ، كلّ ذلك بناءً على ما تقرّر في الأصول من أنّ التقييد لا بملاك الأخصّيّة بل الأظهريّة. 

ورابعاً: أنّ حكمة الحرمان لو لم تكن علّته- من عدم إفساد الزوجة على أهل المواريث مواريثهم بإدخال غيرهم بسببها عليهم، فيزاحمهم في عقارهم[45]- تعمّ ذات الولد من الزوجات، قال صاحب الحدائقS: "ويعضّد ذلك (عموم الحرمان) أيضاً بأبلغ وجه ما اشتمل عليه جملة منها (من الأخبار المتكاثرة بحرمان الزوجة) في بيان وجه الحكمة في الحرمان"[46].

[النتيجة:]

فتحصّل أنّ ما عليه المشهور من تناول الحرمان من الرّباع والأراضي لذات الولد هو المنصور.

والحمد لله كما هو أهله، وصلّى الله على محمّد نبيّه وآله الطاهرين.


[1]  خالف في ذلك الفضل بن شاذانO، فشرّك ابنَ الأخ من الأبوين مع الأخ من الأمّ، وابنَ ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها، ونحو ذلك، فجعل السدس للمتقرّب بالأمّ والباقي للمتقرّب بالأبوين،- انظر: الفقيه 4: 200-.

[2]  انظر: رياض المسائل12: 554.

[3]  انظر: مستند الشيعة19: 311، 312.

[4]  انظر: منهاج الصالحين للإمام الخوئيّّS‌2‌: 366 م1763، منهاج الصالحين للسيّد محمّد الروحانيّS‌2‌: 401 م1648، منهاج الصالحين للشيخ الوحيد الخراسانيّF 3: 420 م1763، منهاج الصالحين للشيخ الفيّاضF 3: 205 م559.

[5]  منهاج الصالحين للشيخ الفيّاضF 3: 205 م559.

[6] وسائل الشيعة26: 68 ب2 من أبواب موجبات الإرث ح1.

[7]  وسائل الشيعة26: 188 ب2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال ح7.

[8]  وسائل الشيعة26: 69 ب2 من أبواب موجبات الإرث ح3.

[9]  انظر: جامع المدارك5: 336.

[10]  وسائل الشيعة 26: 159- 163 ب5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد. 

[11]  مفتاح الكرامة24: 467.

[12] وسائل الشيعة26: 93 ب2 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ح1.

[13]  مباني منهاج الصالحين10: 857.

[14]  وسائل الشيعة26: 159- 163 ب5 من أبواب ميراث الإخوة والأخوات ح1- 9، 14.

[15]  انظر: منهاج الصالحين للإمام السيستانيF3: 345 (م1040)، منهاج الصالحين للشيخ التبريزي+2: 465 (م1763)، منهاج الصالحين للسيّد محمّد سعيد الحكيمO‌٣: 239 (م59).

[16]  الانتصار: 585.

[17]  الخلاف4: 116.

[18]  غاية المراد في شرح الإرشاد3: 358.

[19]  يعني صحيح الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، انظر: الوسائل26: 212 ب7 من أبواب ميراث الأزواج ح1.

[20]  جواهر الكلام39: 210.

[21] انظر: السرائر3: 259.

[22]  انظر: الكافي7: 127.

[23]  انظر: المقنعة: 687.

[24]  انظر: الانتصار: 585.

[25]  انظر: الاستبصار4: 155.

[26]  انظر: الكافي في الفقه: 374.

[27] انظر: غنية النزوع: 324.

[28] انظر: المختصر النافع: 264.

[29] انظر: من لا يحضره الفقيه4: 349.

[30] انظر: النهاية: 642.

[31] انظر: المهذّب2: 141.

[32]  انظر: الوسيلة: 391.

[33]  انظر: شرائع الإسلام44: 33، نشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة.

[34]  مسالك الأفهام13: 190، كفاية الفقه(كفاية الأحكام)2: 857.

[35]  وسائل الشيعة26: 213 ب7 من أبواب ميراث الأزواج ح2.

[36] وسائل الشيعة26: 205- 212 ب6 من أبواب ميراث الأزواج ح1- 17.

[37] وسائل الشيعة26: 206- 207 ب6 من أبواب ميراث الأزواج ح3.

[38] مهذّب الأحكام30: 212.

[39] جواهر الكلام39: 212.

[40] وسائل الشيعة26: 207، 208 ب6 من أبواب ميراث الأزواج ح5.

[41] وسائل الشيعة26: 208 ب6 من أبواب ميراث الأزواج ح7.

[42]  تمّ لا يأتي ما ذُكر على أصل حرمان مطلق الزوجة من الرّباع والأراضي، فإنّه وإن كان الكتاب العزيز قد ذكر ميراثها، وحصّتها من الربع والثمن إلا أنّ ما دلّ على حرمانها لا يسعنا ردّه، ولا التصرّف فيه حتى بالحمل على خصوص غير ذات الولد؛ نظراً لتظافر الروايات واستفاضتها ولتعاضدها واللحن الشديد لبعضها. 

[43]  كتاب الوصايا والمواريث: 192.

[44]  رسالتان في الإرث ونفقة الزوجة: 207، 208. 

[45]  انظر: وسائل الشيعة26: 206- 209 ب6 من أبواب ميراث الأزواج ح2، 3، 7، 9.

[46] الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة: 151، وقد طبعت- مع شرح وتحقيق للمرحوم الشيخ محمّد طاهر آل شبير الخاقانيّ- على أنّها مواريث الحدائق، أقول: وليست من الحدائق، كما لا يخفى على من تصفّحها.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا