الإسلام قد أنصف المرأة.. آية القوامة أنموذجاً

الإسلام قد أنصف المرأة..  آية القوامة أنموذجاً

بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم..

المقدّمة

الدِّين الإسلاميّ هو الدِّين الذي أراده الله تعالى منهجاً وطريقاً لنيل السّعادة الحقيقيّة في الدّنيا والآخرة، وهو خاتمة الأديان السّماويّة وهو الذي لا يقبل اللهُ تعالى من أحدٍ اتّباع غيره، هذا الدِّين العزيز بما أنّه قد جاء من الحكيم الخبير فلا ظلم في تشريعاته وأحكامه لأحدٍ رجلاً كان أم امرأة، وإن اقتضت الحكمة الإلهيّة -التي تخفى علينا عادة- التّفرقة في بعض أحكامه -لا كلّها- بين الجنسين فهذا لا يعني تفضيل جنسٍ على جنس، وخفاء حِكمة وسرّ التّفرقة علينا لا يسوّغ لنا نسبة الظّلم إلى الشّارع المقدَّس، فالإسلام قد أنصف المرأة كما أنصف الرّجل، ووضع لكلٍّ منهما أحكاماً تختصّ به بما يناسب خلقته وتكوينه مع الاشتراك بينهما في أكثر الأحكام والتّشريعات.

فقد جعل الشّارع المقدَّس لكلٍّ من الرّجل والمرأة حقوقاً مختلفة وألزمهما بوظائف مختلفة كي يتكامل المجتمع ويصل كلٌّ منهما إلى كماله الذي أُعدّ له. 

إنّ بعض هذه الاختلافات في الوظائف والحقوق بين الرّجل والمرأة في الإسلام قد أخذها الجهّال والمغرضون سبباً للطّعن على الدِّين واتهامه بما هو بريء منه، والحال أنّ التأمّل المنصف في تلك الوظائف والحقوق المتفاوتة بين الجنسين يوجب الجزم والقطع بأنّ في هذا التّفاوت عين الحكمة والصّلاح لكلٍّ منهما، على أنّه يكفينا مؤونةَ التأمّل المذكور إثباتُ حكمة وعدل الله تعالى الموجِبَين للقطع واليقين الذي لا يشوبه شكٌّ بأنّ تشريعات الإسلام لا تفارقها الحكمة والعدل أبداً.

وبناء على ذلك فلن تجد في كلّ تشريعات الإسلام إلّا الإنصاف للرّجل والمرأة وكلّ أفراد المجتمع.

يقع البحث حول تشريع من تلك التّشريعات وهو إعطاء القوامة للرّجال على النّساء، فيقع البحث حول تفسير آية القوامة، وهي قوله تعالى: ﴿الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّساء بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِم..﴾(سورة النساء 34) وبيان أنّ حكم قوامة الرّجال على النّساء ليس فيه أيّ ظلم للنّساء بل هو عين الإنصاف للنّساء والرّجال معاً.

والكلام في مبحثين:

المبحث الأوّل: تفسير الآية المباركة

والكلام في هذا المبحث في نقطتين:

النّقطة الأولى: معنى وحدود قوامة الرّجال على النّساء.

النّقطة الثّانية: بيان سببي قوامة الرّجال على النّساء.

النّقطة الأولى: معنى وحدود قوامة الرّجال على النّساء

الآية المباركة أثبتت قوامة الرّجال على النّساء، فلا بدّ من بيان معنى هذه القوامة وحدودها، فهل تختصّ بقوامة الزّوج على زوجته أم تشمل ما هو أوسع من ذلك فتمتدّ إلى الحياة الاجتماعيّة أيضاً؟ وبالنّسبة إلى قوامة الزّوج على زوجته ما هي مساحات هذه القوامة وحدودها؟

قال السيّد العلّامةO تعالى في الميزان: "القيّم هو الذي يقوم بأمر غيره، والقوام والقيام مبالغة منه"[1].

أمّا بالنّسبة إلى حدود هذه القوامة، وهل أنّها تختصّ بالحياة الزوجيّة أم تشمل غير ذلك فهناك قولان:

القول الأوّل: الاختصاص بالحياة الزوجيّة

فالآية بحسب هذا القول في صدد إثبات قوامة الزّوج على زوجته فحسب، ويظهر هذا القول من كلام الشّيخ مغنيةO تعالى في التّفسير الكاشف حيث قال: "والمراد به هنا الذي يقوم بشئون المرأة، وهو الزوج"[2]

كما يذهب إلى هذا القول الشّيخ محمّد إسحاق الفيّاضB حيث جاء في كتاب المسائل المستحدثة هذا السّؤال: ﴿الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّساء...﴾(سورة النساء 34). هل تقتصر قوامة الرّجل على المرأة على الحياة الأسريّة، أم أنّها تمتدّ إلى قوامة الرّجال على النّساء في الحياة العامة بكافة شؤونها؟".

فجاء الجواب: "إنَّ قوامة الرَّجل على المرأة تقتصر في الحياة الأسريّة، وأمّا في الحياة العامَّة، فلا فرق بينهما.."[3].

القول الثّاني: شمول الحياة الاجتماعيّة العامّة

ويظهر هذا القول من السيّد العلّامة الطّباطبائيّO، فقد استفاد من إطلاق علّة قوامة الرّجال على النّساء في الآية -وهي تفضيل بعضهم على بعض والإنفاق من المال- أنّ حكم قوامة الرّجال على النّساء لا يختصّ بحياة الأزواج بل يشمل الحياة الاجتماعيّة العامّة؛ كالحكومة والقضاء ممّا يتوقّف عليها حياة المجتمع؛ فإنّ هذه الأمور تتقوّم بالتعقّل الذي هو في الرّجال أقوى من النّساء بحسب الطّبع[4]، فالسيّد العلّامةO يرى أنّ هذا المقطع فيه إطلاق بحيث لا يختصّ بحياة الأزواج وإن كان المقطع اللاحق في نفس الآية المباركة وهو قوله تعالى ﴿فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ الله..﴾، يختصّ بحياة الأزواج كما صرّح بذلكO.

وممّن استقرب هذا القول أيضاً الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّO [5]، وكذلك هو رأي آية الله العظمى الشّيخ الجوادي الآمليB حيث استفاد شمول قوامة الرّجال على النّساء للحياة الاجتماعيّة من عموميّة التّعليل كما استفاد ذلك أستاذه العلّامة الطّباطبائيّO، ولكنّه -أي الشّيخ الجواديّ- إنّما استفاد ذلك من عموم التّعليل، أمّا صدر الآية في قوله تعالى: ﴿اَلرِّجٰالُ‌ قَوّٰامُونَ‌ عَلَى النِّسٰاءِ﴾ فهو لا يراه شاملاً لكلّ رجل وامرأة بل لخصوص الزّوج والزّوجة، وقد ذكر قرينتين على ذلك وهما:

القرينة الأولى: ذيل الآية حيث ذكرت أنّ الزّوج هو أحقّ شخص بأمر الزّوجة بالمعروف ونهيها عن المنكر في مسألة ضرب النّاشز في قوله تعالى: ﴿وَاللاّٰتِي تَخٰافُونَ‌ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ..﴾.

القرينة الثّانية: الآية اللاحقة حيث ذُكر فيها حكم الشّقاق بين الزّوج والزّوجة وهي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ‌ خِفْتُمْ‌ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا﴾ (سورة النساء ٣٥)[6].

ثمّ إنّ مساحة وحدود قوامة الزّوج على زوجته[7] قد يظهر من بعض الفقهاء كالشّيخ الفيّاضB اختصاصها بأمرين: حقّ الاستمتاع وحقّ الطّلاق؛ حيث قال في جوابه على سؤال متعلّق بالآية الكريمة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ‌ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ‌ ولِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ‌ دَرَجَةٌ﴾(سورة البقرة 228) ما نصٌّه:

"إنَّ المراد من الدَّرجة في الآية الكريمة المنزلة، حيث إنَّ منزلة الرَّجل في داخل الأسرة هي أنَّه قوّام على المرأة، ومعنى ذلك أنَّ أمر المرأة بيده، فإنَّه متى شاء الاستمتاع بها ليس لها الامتناع، كما أنَّ إطلاق سراحها بالطَّلاق بيده.."[8].

ووجه استظهار اختصاص القوامة بهذين الحقَّين من عبارة الشّيخ الفيّاضB هو أنّه وإن كان يتحدّث عن آية ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ..﴾، ولكنّه ذكر أمر قوامة الرّجل داخل الأسرة وكان في صدد بيان معنى تلك القوامة، وفي هذا المقام خصّها بالحقَّين، ثمّ بيّن أنّ المرأ قد أُعطيت حقوقاً -مقابل إعطاء هذه القوامة للزّوج- يلزم على الزّوج مراعاتها كالنّفقة وغيرها.

وبناء على هذا القول من اختصاص قوامة الزّوج على زوجته بهذين الحقَّين لا إطلاق في الآية المباركة في قوامة الزّوج على زوجته فيكون المراد هو إعطاء خصوص هذين الحقّين للزّوج في مقابل حقوق أخرى أعطيت للزّوجة، فلا يُتوهّم بعد ذلك أنّ إعطاء القوامة للزّوج ظلمٌ للزّوجة؛ وذلك لوجهين: 

الأوّل: إنّ القوامة -بحسب هذا القول- مختصّة بحقّ الاستمتاع وحقّ الطّلاق فقط.

الثّاني: إنّ إعطاء الزّوج هذين الحقّين لم يلزم منه سلب المرأة من حقوقها، بل هي في مقابل ذلك قد أعطيت أيضاً حقوقاً أخرى.

وقد أضاف الشّيخ مغنية O -في مقام تحديد حدود ولاية الزّوج وقوامته- إلى هذين الحقّين عدم خروجها من بيته إلّا بإذنه، قال:

"وقد حدّد الفقهاء هذه الولاية بجعل الطّلاق في يد الزّوج، وأن تطيعه في الفراش، ولا تخرج من بيته إلّا بإذنه، وهما فيما عدا ذلك سواء: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾"[9].

بل إنّ القاضي ابن البرّاجO في المهذّب قال في بيان معنى آية القوامة: "يعني أنَّهم قوَّامون بحقوق النِّساء التي لهنَّ على الأزواج"[10].

وبناء على هذا القول يكون معنى قوامة الزّوج على زوجته هو قيام الزّوج بحقوق زوجته وأدائه لها، فليس المراد من الآية -كما يفهم من هذا القول- هو إعطاء أيّ ميزة وحقٍّ للزّوج، بل المراد تكليفه بأن يقوم بحقوق زوجته الثّابتة لها عليه، وبذلك لا يخطر في بال متوهّم أنّ هناك ظلماً للزّوجة في إثبات القوامة للزّوج.

ويقرب من قول القاضي ابن البرّاجO المتقدّم ما ذكره الشّيخ الطّوسيّO في المبسوط حيث قال في بيان قوله تعالى﴿قوّامون﴾: "القوام على الغير هو المتكفِّل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك"[11].

وقد ذكر آية الله العظمى الشّيخ الجوادي الآمليّB أنّ قوله تعالى: ﴿الرِّجٰالُ‌ قَوّٰامُونَ‌ عَلَى النِّسٰاءِ‌﴾ جملة خبريّة جيء بها بقصد الإنشاء والأمر؛ فهي في المعنى مثل الآية المباركة ﴿كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ﴾(سورة النّساء: 135)، ومعنى ذلك أنّ الآية تأمر الزّوج بأن يقوم بوظيفته التي هي القوامة وليس مجرّد إخبار بثبوت القوامة له، ثمّ بيّنB ما حاصله أنّ الفرق بين (قائم) وبين (قوّام) هو أنّ الأوّل يستعمل في الأمور الثانويّة، والتي ليست على قدر كبير من الأهمّيّة، بينما التّعبير الثّاني وهو (قوّام) يستعمل للأمور المهمّة والحسّاسة، وبما أنّ التّعبير الثّاني هو الذي جاء في الآية المباركة فهذا يعني أهمّيّة مسألة قيمومة الزّوج على زوجته[12].

النّقطة الثّانية: بيان سببَي قوامة الرّجال على النّساء

ذكرت الآية المباركة سببين لقوامة الرّجال على النّساء، السّبب الأوّل هو قوله تعالى: ﴿بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾، والسّبب الثّاني هو قوله تعالى: ﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾؛ فإنّ (الباء) في المقطعَين سببيّة كما ذكر غير واحد[13].

وتفصيل الكلام في السّببين:

السّبب الأوّل: قوله تعالى: ﴿بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ

وهو ما فضّل الله تعالى به الرّجال على النّساء بالطّبع "وهو زيادة قوة التعقُّل فيهم، وما يتفرَّع عليه من شدَّة البأس والقوَّة والطَّاقة على الشَّدائد من الأعمال ونحوها؛ فإنَّ حياة النِّساء حياة إحساسيَّة عاطفيَّة مبنيَّة على الرِّقة واللطافة"[14].

وقال صاحب مجمع البيانO: "هذا بيان سبب تولية الرَّجال عليهنَّ أي إنَّما ولاّهم الله أمرهنّ لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرَّأي والعزم"[15].

وقد عبّر صاحب كنز العرفانO عن هذا السّبب أنّه سبب موهبيّ من الله تعالى للرّجال في قبال السّبب الثّاني-وهو إنفاق الزّوج من المال- الذي عبّر عنه أنّه اكتسابيّ، فقال في بيان هذا السّبب -أي الأوّل-: "..أنّ اللَّه فضَّل الرِّجال عليهنَّ بأمور كثيرة من كمال العقل، وحسن التّدبير، ومزيد القوَّة في الأعمال والطَّاعات، ولذلك خصّوا بالنبوَّة والإمامة والولاية، وإقامة الشَّعائر والجهاد، وقبول شهادتهم في كلِّ الأمور، ومزيد النَّصيب في الإرث وغير ذلك.."[16].

وقد ذكر صاحب كنز العرفانO هنا سؤالاً حاصله: لماذا قالت الآية المباركة ﴿بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾، ولم تقل (بما فضلهم عليهنّ) أي بما فضّل الرّجال على النّساء؟

ثمّ نقل جواباً عن بعض الفضلاء على هذا السّؤال وهو ما نصّه: "..لأنَّه لم يفضِّل كلَّ واحدٍ من الرِّجال على كلِّ واحدة من النِّساء؛ لأنَّه كم من امرأة أفضل من كثير من الرِّجال، وإنّما جاء بضمير المذكّر تغليباً فيدخل الرَّجل المفضّل والمرأة المفضّلة قال [أي بعض الفضلاء]: ولا يلزم من تفضيل الصّنف على الصنف تفضيل الشَّخص على الشَخص."[17].

ولكنّ صاحب كنز العرفانO لم يرتضِ هذا الجواب الذي نقله عن بعض الفضلاء فقال: "فحينئذٍ لا يكون في الآية دليل على تفضيل الصّنف الذي هو عين المدَّعى، لأنَّه إذا كان بعض أشخاص الرِّجال أفضل من بعض أشخاص النِّساء وبالعكس فأيّ دليل على تفضيل الصنف على الصنف الآخر الّذي هو المراد فالسُّؤال باقٍ على حاله"[18].

وبيانه: إنّه بناء على الكلام المتقدّم من بعض الفضلاء يكون معنى الآية هو: (بما فضّل الله بعضهم -ويدخل في هذا البعض جماعة من الرّجال وجماعة من النّساء وهم المفضّلون- على بعض -ويدخل في هذا البعض جماعة من الرّجال وجماعة من النّساء وهم المفضولون-)، وإنّما جاء بضمير المذكّر في جماعة المفضّلين -مع أنّه يدخل فيه جماعة من النّساء أيضاً- من باب التّغليب.

وإذا كان هذا معنى الآية فلا دليلَ فيها على تفضيل صنف الرّجال على صنف النّساء لأنّ جماعة المفضّلين -المعبر عنها بـ(بعض) الأولى- يدخل فيها أيضاً جماعة من النّساء، والحال أنّ الآية في مقام بيان سبب وعلّة تفضيل صنف الرّجال على النّساء ذلك السّبب الذي أوجب إثبات القوامة للرّجال، فلا يكون جواب بعض الفضلاء تامّاً فيبقى السّؤال المذكور -وهو السّؤال عن سبب عدم تعبير الآية بـ (بما فضّلهم عليهنّ)- على حاله دون جواب.

كما أشار الشّيخ مغنيةO إلى نفس هذا السّؤال في تفسيره وأجاب عنه بما يقرب من الجواب السّابق المنقول عن بعض الفضلاء، قال: "فالضمير في (بعضهم) يعود على النَّساء والرَّجال معاً، وذكَّرَ الضمير من باب التَّغليب، والمراد ببعض الأولى الرِّجال، وببعض الثَّانية النِّساء.

وتسأل: لماذا قال تعالى: ﴿بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ ولم يقل بما فضَّلهم عليهنَّ، مع أنَّه أخصر وأظهر؟

الجواب: لو قال: فضَّلهم عليهنَّ لفهم منه تفضيل جميع أفراد الرِّجال على جميع أفراد النِّساء، وهذا غير مقصود، لأنَّه بعيد عن الواقع، فكم من امرأة هي أفضل من ألف رجل، فجاء لفظ بعض للإشارة الى أنَّ هذا التَّفضيل إنَّما هو للجنس على الجنس من حيث هو بصرف النَّظر عن الأفراد"[19].

وقال ابن عاشور في تفسيره:

"فالتَّفضيل هو المزايا الجبلّية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرَّجل في الذبّ عنها وحراستها لبقاء ذاتها، كما قال عمرو بن كلثوم:

يـَقُـتْن جِـيـادَنـا ويـقُلْـن لـستُم

 

بُــعُـولَـتَــنـا إذا لــم تـمـنَـعُـونــا

فهذا التَّفضيل ظهرت آثاره على مرِّ العصور والأجيال، فصار حقّاً مكتسباً للرِّجال، وهذه حجّة برهانيَّة على كون الرِّجال قوَّامين على النِّساء؛ فإنَّ حاجة النِّساء إلى الرِّجال من هذه النَّاحية مستمرَّة وإن كانت تقوى وتضعف"[20].

ويظهر من كلامه أنّ المرأة بفطرتها وجبلّتها تحتاج إلى الرّجل ليذبّ عنها ويحرسها، والشّاهد على كون هذه الحاجة فطريّة هو ظهور آثارها على مرّ العصور والأجيال، نعم لا ينكر ابن عاشور أنّ مقدار هذه الحاجة يقوى ويضعف، ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى الظّروف الاجتماعيّة المختلفة، ولكن هذا لا يعني انتفاء تلك الحاجة.

وينبغي الإشارة إلى أنّ الحاجة المذكورة للمرأة إلى الرّجل في قبالها أيضاً حاجة للرّجل إلى المرأة في جوانب أخرى، وبذلك يتكامل المجتمع ويسمو.

السّبب الثّاني: قوله تعالى: ﴿وبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ

قال صاحب مجمع البيان O: "﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ عليهنَّ من المهر والنَّفقة.."[21].

وقد استدلّ القطب الرّاونديّO بهذه الآية المباركة على وجوب النّفقة على الزّوجة فقال: "وقال تعالى: ﴿الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّساء بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾، وفيه دليلان على وجوب ذلك[أي النَّفقة على الزَّوجة]: أحدهما قوله: ﴿قَوَّامُونَ﴾، والقوَّام على الغير هو المتكفِّل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك، والثَّاني قوله: ﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾، يعني أنفقوا عليهنَّ من أموالهم"[22].

وهنا سؤال: كيف يكون إنفاق الزّوج على زوجته سبباً لقوامته عليها؟

ذكر الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّO جوابَ هذا السّؤال بما حاصله: إنّ كثيراً من أمور إدارة الأسرة مرتبطة بالجانب الاقتصاديّ والماليّ[23] وتوضيحه: إنّ العنصر الماليّ والاقتصاديّ جزء مهم في الحياة داخل الأسرة؛ فمن خلاله يتمّ تدبير أمور أفراد الأسرة، فالمكلّف بتيسير الجوانب الاقتصاديّة في الأسرة هو الأجدر بإدارة الأسرة.

قال الشّيخ مغنيةO: "لأنَّ الذي يتحمَّل مسؤوليّة الإنفاق على غيره لا بدَّ من أن يكون أفضل من الذي لا يطلب منه شيء، حتَّى الإنفاق على نفسه.."[24].

ولكنّ الظّاهر من عبارته أنّ إنفاق الزّوج على زوجته سبب لتفضيله عليها لا سبب لأصل قوامته عليها.

ثمّ إنّ الشّيخ مغنية ذكر أنّ في هذا المقطع إشعاراً بأنّ قوامة الزّوج تسقط مع عدم الإنفاق، قال ما نصّه: "وتجدر الإشارة إلى أنَّ قوله تعالى: ﴿وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ يشعر بأنَّ الزَّوج إذا لم ينفق على زوجته لم يكن قوَّاماً عليها، وكان لها والحال هذه أن تطلب من الحاكم الشَّرعي الطَّلاق، وعلى الحاكم أن ينذر الزوج، فإن امتنع عن الإنفاق لعجزٍ أو عناداً أمره بالطَّلاق، فإن امتنع طلّقها عنه، لأنَّ الحاكم ولي الممتنع، وعلى هذا مالك والشَّافعي، وجماعة من علماء الشِّيعة الامامية، منهم السّيَّد صاحب العروة الوثقى وملحقاتها، والسيد محسن الحكيم، ونحن على هذا الرأي.."[25].

كما ذكر آية الله العظمى الشّيخ الجواديّ الآمليّB ما يقرب من هذا المعنى؛ حيث ذكر ما حاصله: إنّ الزّوج الفاقد لهذين الصّفتين (وهما الأفضليّة في إدارة الأسرة والإنفاق من المال) أو غير العامل بوظيفته لا يكون قيّماً، وتسقط ولايته على الأسرة[26].

کما ذكرB ما حاصله: إنّه لو كان وضع الأسرة بالعكس بمعنى أنّ ذكاء وإدراك وقدرة تدبير الزّوجة كانت أكبر من الزّوج وكانت الزّوجة تدير أمور البيت بثروتها ومالها، لو كان الأمر كذلك لا يوجد دليل على أنّ الزّوج يكون هو القيّم؛ لأنّ الباء في قوله تعالى: ﴿بما فضَّل الله.. وبما أنفقوا..﴾ سببيّة؛ يعني بسبب أفضلية الرّجل وإنفاقه للمال يكون هو القيّم على الزوجة. إلّا أن يقول قائل بأنّ هذا الحكم تعبديٌّ محض كبعض مناسك الحجّ (رمي الجمرات)[27].

المبحث الثّاني: بيان عدم كون قوامة الرّجال ظلماً للنّساء

إنّ ما ذُكر سابقاً في المبحث الأوّل في تفسير الآية المباركة يستفاد منه بشكل أو بآخر أنّ قوامة الرّجل على المرأة ليست ظلماً للمرأة أبداً، بل هي وظيفة أناطها الشّارع المقدَّس للرّجل على أساس معايير واقعيّة تقتضيها طبيعة كلٍّ من الرّجل والمرأة، ولكن لتعميق وتأكيد هذا الأمر جاء هذا المبحث.

قال الشّيخ مغنيةO في تفسيره: "الرَّجل والمرأة ركنا الحياة، ومحال أن تستقيم بأحدهما دون الآخر، ومعنى هذا أنَّ بين الرَّجل والمرأة نوعاً من التَّفاوت.. ولو تساوياً من جميع الجهات لأمكن الاكتفاء بأحد النَّوعين، وكان وجود الآخر وعدمه سواء..فالدَّعوة- إذن- إلى المساواة بينهما في كلِّ شيء تخالف منطق الحياة.

وربَّ قائل: إنَّ المرأة وأنصارها يريدون لها المساواة في الحقوق والواجبات، ولا يريدون لها المساواة مع الرَّجل في كلِّ شيء، حتى الحمل والرِّضاعة- مثلاً-.

ونجيب: إنَّ التَّفاوت في التَّكوين العضويّ يستدعي حتماً التَّفاوت في بعض الحقوق والواجبات، بل وفي بعض الغرائز النَّفسيَّة أيضاً، وعليه فمن يطلب التَّساوي في جميع الحقوق والواجبات بينهما فقد أبعد [أي ذهب بعيداً وأخطأ في طلبه]، تماماً كمن يطلب التَّفاوت في الجميع، والصَّواب أنَّهما يشتركان في أكثر الحقوق، أو الكثير منها، وأهمّها المساواة أمام اللّه والقانون، وحريَّة التصرُّف في المال، واختيار شريك الحياة، ويفترقان في بعض الحقوق.."[28].

وللتّوضيح أكثر ونفي أيّ توهّم لكون قيمومة الزّوج على زوجته ظلماً للزّوجة، ولبيان أنّ هذا الحكم -كغيره من أحكام الشّريعة الإسلاميّة- ليست فيه أيّ شائبة ظلم للمرأة، بل هو عين الإنصاف لها وللرجل معاً، لا بدّ من ذكر مجموعة نقاط[29]:

النّقطة الأولى: أحكام اللّهa لاظلم فيها

ينبغي أن يُعلم أنّ كلّ حكم شرعي من أحكام الله تعالى لا ظلم فيه لأحدٍ رجلاً كان أو امرأة، وكيف لا يكون كذلك والمشرّع لهذا الحكم هو الحَكم العدل الذي لا يجور.

"فالعقلاء عندما يثقون بأحد فإنَّما يثقون به لواجديّته لصفات ثلاث؛ العلم والحكمة والنَّصيحة، فلو كان عالماً غير حكيم، أو حكيماً غير ناصح، أو ناصحاً مخلصاً إلّا إنَّه غير عالم بحقائق الأمور أو غير عارفٍ بأوجه المصالح والمفاسد فإنَّه لا يكون جديراً بالثِّقة، ونحن كمسلمين نؤمن بعلم الله المطلق بجميع أوجه المصالح والمفاسد وبحكمته غير المتناهية عند حدٍ، وبأنَّه أرأف بعباده من الأمِّ الرَّؤوف، وسعت رحمته كلَّ شيءٍ، وهو الشَّفيق الودود، والذي وعد بمساءلة الظَّالمين وإدانتهم"[30].

النّقطة الثّانية: جهلنا بحكمة أحكام اللّه لا يصيّرها ظالمة

ينبغي أن يعلم أيضاً أنّ جهلنا بحِكمة بعض الأحكام الشرعيّة وعدم تعقّلنا لها لا يعني نسبة الظّلم للشّارع المقدَّس، ولا سبيل لنا لمعرفة علّة وحكمة الأحكام الشّرعيّة إلّا بمقدار ما أطلعنا عليه الشّارع المقدَّس نفسه من خلال الرّوايات الواردة عن النّبيّ الأعظمe، أو عن آله الطّاهرينi، نعم يمكن حدس بعض الحِكَم لبعض الأحكام الشّرعيّة على مستوى الظّنّ والاستقراب، ولكن يبقى جهلنا بأسرار عالم التّشريع -كجهلنا بأسرار عالم التّكوين- أكبر ممّا نعلمه، وعليه فبعض ما سيذكر خلال هذه النّقاط إنّما هو من باب الحدس.

ولا يخفى أنّ في هذه النّقطة وسابقتها جواباً عن كلّ شبهة يمكن أن تُطرح قبال أحكام الدِّين الإسلاميّ.

قال الشّيخ مصباح اليزديّO ما حاصله ومضمونه: "عقل الإنسان المادّيّ المتعارف أكبر قصوراً من أن يكون قادراً على إدراك تفاصيل وجزئيات هذه الأمور. إنَّ ما يأتي إلى ذهن الإنسان ليس أكثر من كلّيّات وبعض الجزئيّات؛ لأنَّ البشر غير قادرين على معرفة كلِّ المصالح والمفاسد الواقعية وإلّا لاستطاع الإنسان وضع الأحكام والقوانين الأخلاقيّة والحقوقية المؤمَّنة للسِّعادة والكمال الحقيقيَّين للجميع، وفي هذه الصُّورة سيكون غنياً عن الوحي والنُّبوة والدِّين.

إنَّ سرَّ حاجة البشر الدَّائمة إلى الوحي والنُّبوة هو عجز عقله، ولأجل ذلك لا يمكن الادِّعاء بأنَّ الإنسان عَلِم بجميع المصالح والمفاسد، ولا يمكن الادَّعاء بأنَّه يقدر على التَّوجيه العقلانيّ لجميع الأحكام والقوانين الإلهيّة. الله تعالى فقط هو المحيط بجميع المصالح والمفاسد والكسر والانكسار بينها ودقائق الأمور.."[31].

النّقطة الثّالثة: الإسلام منظومة متكاملة لا تُنظر أحكامه مقتطَعةً

الإسلام منظومة متكاملة جاءت من الله تعالى لتنظّم حياة النّاس في كلّ الجوانب والمجالات، وبين أحكام هذه المنظومة ترابط، فمن أراد أن يعرف نظر الإسلام في قضيّة ما (كنظرته للمرأة) لا يصحّ له أن يقتطع آية أو رواية في ضمن هذه المنظومة المتكاملة وينظر إليها نظرة مقطعيّة جزئيّة ليصدر حكمه، بل عليه -إن كان منصفاً- أن يتأمّل في كلّ الآيات والرّوايات إن كانت عنده الأهليّة أو يرجع إلى المختّصين في فهم الدِّين.

وهذا الأمر لا يختصّ بالمنظومة الإسلاميّة؛ فإنّه لو أردنا أن نقيَّم قانوناً وضعيّاً في مسألة من المسائل كمعرفة قوّة هذا القانون وإحكامه في تنظيم حركة المرور في الشّوارع مثلاً لا يصحّ لنا أن ننظر إلى قانون أو قانونين متعلقين بتنظيم حركة المرور لنرى مدى إتقانهما، بل الصّحيح هو النّظر إلى حزمة القوانين المرتبطة بالمرور وتقييمها بأجمعها.

فحتى نحكم بأنّ قوامة الرّجال على النّساء فيها ظلم للمرأة أو ليس فيها ظلم لها لا يصحّ لنا أبداً أن نقصر نظرنا على هذا الحكم أو بعض الأحكام الأخرى، بل لا بدّ من النّظر إلى مجموعة الأحكام والتّعاليم الإسلاميّة في حقّ كلٍّ من الرّجل والمرأة ليتّضح أنّ الإسلام قد أنصف المرأة كما أنصف الرّجل.

النّقطة الرّابعة: موقع المرأة في الرّؤية الإسلاميّة

إنّ موقع المرأة في الرّؤية الإسلاميّة يرتكز على النّقاط التّالية المستفادة من آيات متعدّدة[32]:

المرأة تتساوى مع الرّجل في الإنسانيّة، قال الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾(سورة القيامة 36-39).

المرأة تكافئ الرّجل في قابليّتها للهداية، فكلٌّ منهما حائز على ملَكة الهداية من الله‌a، وعليه فباب التّكامل والوصول إلى المراتب العالية لا يختصّ بالرّجل، بل إنّ هناك نماذج عديدة لنساء تفوّقت على آلاف بل ملايين الرّجال بعضهنّ ذُكرن في القرآن، وكانت ضمن أتباع الأديان السّابقة كالسّيّدة مريمj، وبعضهنّ كانت من صنع الإسلام كالسّيّدة فاطمة الزّهراءj.

قال الله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾(سورة الشّمس: 7-8).

"والتَّعبير بالنَّفس لا يختصُّ بالذِّكر دون الأنثى، وذلك بقرينة إطلاق لفظ النَّفس على كلٍّ من الذَّكر والأنثى في آيات أخرى مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء﴾، وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِوواضح أنَّ ذلك لا يختص بالرّجل"[33].

المرأة مؤهَّلة للتّعلّم كما أنّ الرّجل كذلك، قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾(سورة الرَّحمن، 1-4)، "وعنوان الإنسان يطلق ويراد منه الذكر والأنثى"[34].

المرأة حائزة على التّكريم الإلهيّ الذي يشمل جميع بني آدم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(سورة الإسراء: 70).

إنّ حمل الأمانة الإلهيّة أُنيط بالمرأة والرّجل على حدٍ سواء، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾(سورة الأحزاب 72).

إنّ كلّاً من الرّجل والمرأة سيَريان آثار وثواب أعمالهما الصّالحة على حدٍّ سواء، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها ومَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فيها بِغَيْرِ حِسابٍ﴾(سورة غافر 40).

إنّ القرآن الكريم والرّوايات الشّريفة نهيا عن إيقاع الظّلم على الرّجل والمرأة على حدٍّ سواء، بل ورد النّهي عن إيقاع الظّلم على المرأة بالخصوص لضعفها وتعارف ظلمها في عرب الجاهليّة وغيرهم، قال تعالى: ﴿وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ﴾(سورة البقرة: 231) وقد ورد عن النّبيّe: «.. مَنِ اتَّخَذَ زَوْجَةً فَلْيُكْرِمْهَا..»[35].

إنّ للمرأة حقّ التّصرّف في مالها كيفما شاءت، فهي مالكة له، ولا تحتاج إلى مراجعة أحد فيما لو أرادت التّصرف في مالها. قال تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَليماً﴾(سورة النساء 32).

وبناء على كلّ ذلك فليس من الإنصاف أن يُقصر النّظر على حكم من أحكام الإسلام -وهو قيمومة الرّجل على المرأة- ويُغض النّظر عن بقية الأحكام التي تشكّل بمجموعها منظومة متكاملة قادرة على إيصال الفرد والمجتمع إلى كماله الحقيقيّ. بل إنّ نفس هذا الحكم -وهو قيمومة الرّجل على المرأة- لو تُؤمِّل فيه وعُرفت بعض أبعاده لحصلت القناعة الكاملة به، وإن كان إثبات الحكمة والعدالة لله تعالى كافياً للتّسليم له ولحصول القناعة التّامّة الكاملة التي لا يشوبها أدنى شكٍّ بكلّ أحكامهa  عمّا يقول الظّالمون علوّاً كبيراً.

النُّقطة الخامسة: ضرورة كون القوامة بيد أحد الزّوجين

إنّ كلّ كيان أو هيئة أو مؤسّسة مؤلّفة من أشخاص-ولو شخصين- تحتاج إلى رئيس ومدبّر وقائد يتولّى زعامة هذه الهيئة، وإلّا سادت الفوضى في أعمال تلك الهيئة ولم تصل لهدفها المنشود، ويكون الآخر -أو الآخرين- معاونين له، ويكون غرض الاثنين (الرّئيس والمعاون) هو تحقيق أهداف هذه الهيئة والمؤسّسة. وعليه فلا بدّ من أن تكون قوامة الأسرة بيد أحد الزّوجين لا محالة، وجعلها بيد أحدهما دون الآخر لا بدّ أن يكون وفقاً لمرجّحات توجد في أحدهما تؤهّله لتلك القيموميّة، ولا يتصوّر الأخذ برأي الأكثريّة لعدم تأتّيه بالنّسبة للزّوجين؛ فهما شخصان فقط، مع أنّ رأي الأكثريّة في حدّ نفسه ليس ملاكاً تامّاً للتّرجيح.

وبعبارة أخرى: لا يخلو الحال في الحياة الزّوجيّة من أحد الاحتمالات التّالية:

الأوّل: أن تبقى الأسرة بدون مدبّرٍ يدير شؤونها، ويُرجع إليه في موارد الاختلاف،  وهذا الاحتمال واضح البطلان؛ لأنّ كلّ هيئة ووحدة اجتماعيّة مهما صغرت فهي تحتاج لمن يدبّر أمورها، وإلّا لما استطاعت أن تحقّق الأهداف المطلوبة لها.

الثّاني: أن يكون تدبير الحياة الزّوجية بيد الزّوجين معاً، وهذا الاحتمال ممكن في حالات عدم الاختلاف وحالات التّوافق التّامّ بين الزّوجين، بل المطلوب هو التّشاور بين الزّوجين فيما يتعلّق بأمور الأسرة -كما ستأتي الإشارة من كلام الشّيخ مصباح اليزديّO- ولكن تبقى الحاجة إلى من يُرجع إليه في حالات الاختلاف والنّزاع وعدم التّوافق.

الثّالث: أن يكون تدبير الحياة الزّوجيّة بيد أحد الزّوجين:

وهذا هو المتعيّن، ولا بدّ في ترجيح المدبّر والمدير للأسرة أن يكون وفق مميّزات تؤهّله لذلك المنصب، والرّجل هو الأرجح لهذا المنصب بسبب طبيعته.

النُّقطة السّادسة: من له الحقّ في تعيين القيّم

بعد الفراغ عن لا بدّيّة وجود قيّم للأسرة، يأتي هذا السّؤال: تحديد القيّم على الأسرة بيد مَن؟

إنّ كلّ من سيحدّد القيّم من أحدهما لا بدّ من أن نسأله: من أعطاك الحقّ في التّعيين والتّحديد؟ إلّا خالق الزّوجينa ؛ فإنّه تعالى الوحيد الذي له الحقّ في التّعيين والتّحديد؛ حيث إنّه المالك الحقيقيّ لكلّ ما في الكون، فيتعيّن أن يكون التّحديد بيده تعالى فهو وحده العالم بصلاح حال الأسرة من مخلوق لم يؤتَ من العلم إلّا قليلاً، وتحديده تعالى إنّما نعرفه من القرآن الكريم وسنّة المعصومينi، وقد أثبت القرآن الكريم القوامة للرّجل. 

النّقطة السّابعة: التّوافق والإيثار قبل القوامة

هناك مساحة من الحياة لا مجال لرأي الزّوج ولا الزّوجة فيها، وهي مساحة الأحكام الإلزاميّة (الواجبات والمحرّمات) فإنّ المحوريّة والقيمومة -إن صحّ التّعبير- فيها لله تعالى وحده، فهذه المساحة تخرج من حدود قوامة الرّجل، وفي غير هذه المساحة -أي: في دائرة المباحات بالمعنى الأعمّ[36]- ندب الشّارع إلى إيجاد حالة من التّوافق والإيثار لكلٍّ من الزّوجين، فمن باب المثال قد ورد عن أبي عبد اللهِ، عن آبائهi، قال: «قَالَ رَسُولُ اللهِa: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ أَهْلِهِ، والْمُنَافِقُ يَأْكُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِهِ»[37]، إنّ هذه الرّواية دعت الزّوج إلى أن يقدّم رغبة أهلِه في اختيار الطّعام.

قال الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّO في ضمن استعراضه للأصول والمباني الحاكمة على الأسرة في القرآن الكريم وفي ضمن حديثه عن (أصل المشاورة) ما مضمونه وحاصله: "أفضل طريق عند الاختلاف والمشكلات بين الزَّوجين أنَّ الزَّوج والزَّوجة يتشاوران ويختاران طريق الحل الذي يقبله العقل؛ فإنَّه من الطَّبيعي أن يكون لكلٍّ من الزَّوج والزَّوجة وجهة نظر خاصَّة به، وقد تكون وجهتا النَّظر متعارضتين، ولكن في كثيرٍ من الموارد يمكن للزَّوجين من خلال التَّشاور مع بعضهما تقريبُ وجهتي نظرهما والتَّقليل من الاختلاف بينهما. وينبغي القول بأنَّ القيمة الأخلاقية للتَّشاور مع الزَّوجة إنَّما هو في ما يتعلَّق بالأسرة؛ مثل كيفية إرضاع الطَّفل، ومدته، ومحل السَّكن والأكل واللباس وغير ذلك، أمَّا الأمور التي لا ربط لها بالأسرة فإنَّ التَّشاور مع الزَّوجة -بما هي زوجة- لا دور ولا أثر له، بل ينبغي التَّشاور مع من هو أكثر خبرة في تلك المسائل المراد أخذ المشورة فيها.."[38].

وفي غير الأحكام الشّرعيّة الإلزاميّة وفي الموارد التي لا يريد فيها الطّرفان الإيثار أو التّفاهم تصل النّوبة إلى قيمومة الرّجل على المرأة.

قال الشّيخ المصباح في ضمن كلامه عن أصل قيمومة الرّجل على الأسرة ما حاصله ومضمونه: "في الحياة الأسريَّة قد تقع أحياناً بعض الاختلافات والمشكلات والتي لا يمكن حلُّها حتى بعد التَّشاور، استمرار هذه المشكلات يسبِّب إلى ذهاب استقرار الأسرة ومودَّة الطَّرفين لبعضهما، ولذلك من أجل تجنُّب زوال الأسرة لا بدَّ من التَّفكير في حلٍّ لتلك المشكلات التي تظهر بين الفينة والأخرى. الأسرة -من جهة حقوقيَّة- مثل كلِّ هيئة ومؤسسة تحتاج إلى وليٍّ وقيِّم، والإسلام اهتمَّ كثيراً بتنظيم الأسرة؛ حيث إنَّها أساس المجتمع، وذلك من أجل أن تكون الأسرة طريقاً لسلامة واستقرار المجتمع؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿الرِّجال قوّامون على النِّساء..﴾.."[39].

النّقطة الثّامنة: القوامة لا تساوق السلطة المطلقة

إنّ إثبات حقّ القوامة للرّجل لا يعني أبداً الظّلم والإجحاف بحقّ المرأة وتجاوز حقوقها؛ فإنّ الإسلام حريص على المرأة وحقوقها داخل الأسرة، بل المقصود هو جعل قيادة الأسرة واحدة ومنظّمة مع مراعاة مسألة التشاور، فإن حصل الاختلاف في وجهات النظر كان القرار للرجل ضمن الضوابط الشرعية التي جعلها الشارع المقدَّس له، ويبقى للمرأة حقّها في التصرّف في شؤونها الخاصة كالتصرّف في أموالها أو أصل القبول بالزوج أو غير ذلك، فلها الحريّة التامّة في ذلك ولكن ضمن الضوابط الشّرعيّة.

وعليه فمن يسيء استعمال هذه القوامة من الرّجال في ظلم المرأة فهو مخالف لتعاليم الدِّين الإسلامي ولا ينسب فعله للإسلام.

قال الشّيخ مصباح اليزديّO ما حاصله ومضمونه: "ليس معنى هذا الأصل [أي أصل قيُّومية الرَّجل على الأسرة] هو الولاية والقيوميَّة المطلقة للرَّجل في محيط الأسرة، بل على الرَّجل أن لا يسيء الاستفادة من حقِّ القيُّومية، وأن لا يتحرَّك إلا في حدود الشَّرع وحدود القيُّومية التي جاءت في قانون الإسلام.."[40].

وقال الشّيخ مغنيةO في تفسيره: "إنَّ الرِّجال قوَّامون على النِّساء، والمراد بالرِّجال هنا خصوص الأزواج، وبالنِّساء خصوص الزَّوجات، وليس المراد بالقيام على المرأة السُّلطة المطلقة، بحيث يكون الزَّوج رئيساً دكتاتورياً، والزَّوجة مرءوسة له، لا إرادة لها معه ولا اختيار، بل المراد أنَّ له عليها نحواً من الولاية، وقد حدَّد الفقهاء هذه الولاية بجعل الطَّلاق في يد الزَّوج، وأن تطيعه في الفراش، ولا تخرج من بيته الا بإذنه، وهما فيما عدا ذلك سواء: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾"[41].

النُّقطة التَّاسعة: تناسب المؤهّلات والمسؤليّات

إنّ طبيعة كلٍّ من الرّجل والمرأة مختلفة فالرّجل يترجّح عنده جانب العقل على العاطفة والمشاعر، وهو أقدر على ضبط مشاعره وأكثر حزماً وقوّة في مواجهة المشاكل الصّعبة التي قد تواجه الأسرة، والمرأة تغلب عليها العاطفة والأحاسيس، ولكلٍّ من الطّبيعتين أهميّته في تكامل الأسرة وبنائها، ولمّا كانت تلك طبيعة الرّجل كان الأجدر بتولّي قوامة الأسرة -بحدودها وضوابطها الشرعيّة- فهو الأقدر -بحسب طبيعته- على حماية الأسرة والذبّ عنها وإدارتها.

قال الشّيخ محسن قراءتيB في تفسير نور -ما ترجمته-: "النِّظام الحقوقي للإسلام متلائم ومنسجم مع نظام التَّكوين والخلق؛ فإنَّ حقَّ إدارة الرَّجل إنّما هو بسبب تركيبته الجسمية والرُّوحية"[42].

وبيان هذه العبارة: إنّ الإسلام عندما وزّع الحقوق وأقرّها للأفراد فهو قد لاحظ خِلقتهم في كلا البعدَين المادّيّ والبدنيّ، والرّوحيّ والمعنويّ، ومراعاة الجانب التّكوينيّ وخلقة الإنسان في تنظيم الحقوق ممّا يمتاز به النّظام الحقوقيّ الإسلاميّ عن أيّ نظام حقوقيّ آخر؛ فإنّ هذا النّظام الحقوقيّ جاء من خالق الكون والإنسان العارف بتكوينه وخلقته، أمّا بقيّة النّظم الحقوقيّة غير الإلهيّة فهي صادرة ممّن يعلم علماً ناقصاً ومحدوداً جداً بخلقة الإنسان وتركيبته البدنيّة والرّوحيّة، فالبشريّة اليوم على ما هي عليه من التّطور المادّي والعلمي في مجال الطّب وعلم النّفس وغيرها من العلوم المرتبطة بالإنسان في كلا بعديه المادّيّ والنّفسيّ والرّوحيّ لا زالت تجهل الكثير الكثير كما هو أوضح من أن يخفى.

و"المقنَّن [الواضع للقانون] لا بدَّ من أن يراعي الاختلافات الطَّبيعية بين الرَّجل والمرأة في عالم الخلقة"[43].

إنّ إعطاء المسؤوليّة لأيّ شخصٍ وفقاً لما يمتلكه من مؤهّلاتٍ لا يعني جعله أفضل من غيره، وإعفاء شخص من مسؤوليّة لا تناسبه لا يعني التّقليل من شأنه، بل هو تكريم له حيث لم يُجعل في موقع المسؤوليّة التي لا يطيقها. وعليه فإنّ إعفاء المرأة من هذه المسؤوليّة التي لا تتناسب وطبيعتها لا يعني إهانتها وظلمها، خصوصاً وأنّ الشّريعة الإسلاميّة أوكلت لها مهاماً لا تقلّ خطورة وأهميّة عن القيمومة.

قال في تفسير الأمثل: "وإنّما تُعطى هذه المكانة للرَّجل لكونه يتمتَّع بخصوصيَّات معيَّنة مثل القدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر، (على العكس من المرأة التي تتمتع بطاقة فيَّاضة وطاغية من الأحاسيس والعواطف)، ومثل امتلاك بنية داخليَّة وقوَّة بدنيَّة أكبر ليستطيع بالأولى أن يفكِّر ويخطط جيِّداً، ويستطيع بالثَّانية أن يدافع عن العائلة ويذبُّ عنها."[44].

النُّقطة العاشرة: الفروقات الشخصيّة

إنّ علة إعطاء الرّجل حقّ القيمومة بيّنته الآية الكريمة -وقد تقدّم شرحه في كلام العلّامة الطّباطبائيّ- وهو ما ذكر في النّقطة السّابقة من زيادة قوّة التعقّل في الرّجل ومن إنفاقه من ماله بإعطاء النّفقة والمهر، وعليه فإنّ هناك مرجّحات لإعطاء هذا الحقّ للرّجل من دون المرأة.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى بعض الفوارق بين الرّجل والمرأة والتي من شأنها أن تجعل بعض وظائف كلٍّ منهما مختلفة كما في إعطاء وظيفة قيوميّة الأسرة إلى الرّجل في قبال إعطاء المرأة وظائف أخرى:

"الأوّل: ذكر الباحثون من علماء النّفس أنّ التّجربة والبحث أثبتا اختلافات مطّردة بين الرّجل والمرأة، وأنّ هذه الاختلافات نبعت عن طبيعة التّفاوت في الخلق والتّكوين للرّجل والمرأة.

الثّاني: إنّ المرأة سريعة الانفعال والتأثّر بدرجة أكبر من الرّجل، وغالباً ما تتصرّف تحت تأثير انفعالاتها ومشاعرها وأحاسيسها، وتظلّ أسيرة عواطفها رغم إدراكها لما يترتّب على ذلك من مضاعفات، وعلى عكس ذلك يكون الرّجل.

الثّالث: إنّ المرأة أشدّ تأثّراً بالمشاهد العاطفيّة والمأساويّة من الرّجل.

الرّابع: إنّ المرأة أكثر تديّناً والتزاماً بالأعراف السّائدة، وتتوجّس كثيراً من مواجهة المواقف الصّعبة.

الخامس: مشاعر الرّجل تجنح كثيراً للمعارضة والعنف، وعلى عكس ذلك تكون المرأة، فهي غالباً ما تجنح للسّلم، وتتخوّف من استعمال العنف حتى مع ألدّ أعدائها، وحتى لو اختارته فإنّها تبحث عن أيسر الوسائل، كالسمّ مثلاً.

ومن الملاحظ إنّ ظاهرة الانتحار عند المرأة أقلّ من الرّجل كما أثبتت ذلك الإحصاءات المدوّنة، وحينما تختار الانتحار فإنّها تتوسّل بمثل الأقراص المنوّمة أو المواد المخدّرة أو السّامّة، وعلى خلاف ذلك يكون الرّجل، فهو يتوسّل بمثل الشنق أو إلقاء نفسه من شاهق أو أمام سيارة أو في البحر أو إحراق نفسه بالنّار أو رمي نفسه بالرّصاص.

السّادس: قدرة الرّجل على كتمان السّر أو الأخبار المزعجة أكبر من قدرة المرأة على ذلك، ولذلك يكون الرّجل أكثر عرضة للأمراض المرتبطة بذلك.

السّابع: كثيراً ما تتوسّل المرأة بالبكاء والحيلة لمعالجة مشاكلها وذلك لخوفها وضعفها عن المواجهة.

الثّامن: يستهوي المرأة من الرّجال الرّجل الشّجاع ذو الشّخصيّة القويّة، وغالباً ما تبحث عن الرّجل القادر على حمايتها، وأمّا الرّجل فتستهويه المرأة الجميلة الرّقيقة ذات العاطفة.

التّاسع: ترغب المرأة في الهيمنة على قلب الرّجل والنّفوذ إلى مشاعره، ويغيظها مشاركة أحدٍ غيرها في هذا الموقع حتى لو كانت أمّه فضلاً عمّا لو كانت زوجة أخرى، بل يسؤوها أن تكون له تطلّعات أو طموحات ليست ذات صلة بها، وأمّا الرّجل فيسعى للحصول على امرأة يملك قيادها، ولذلك فهو لا يرغب في امرأة سليطة أو ذات تمرّد، بل ولا ذات استقلاليّة في اتخاذ قراراتها دون مراجعته.

العاشر: تحبّ المرأة الرّجل الذي يقدّرها ويعبّر عن حبّه لها، وتظلّ أسيرة الثّناء والإطراء، وأمّا الرّجل فلا يكترث كثيراً بذلك، وإنّما يتمّ اختياره للمرأة عندما يرى فيها ما يصبو إليه من جمال ورقّة وعاطفة.

الحادي عشر: الرّجل أقدر من المرأة على تحصيل العلوم البرهانيّة العقليّة إلّا إنّه لا يتميّز عنها في العلوم المتّصلة بالآداب والفنّ والذّوق.."[45].

النّقطة الحادية عشرة: ملاحظة النّوع لا الأفراد

قال صاحب تفسير الأمثل: "يمكن أن يكون هناك بعض النُّسوة ممَّن يتفوَّقن على أزواجهنّ في بعض الجهات، إلّا أنَّ القوانين- كما أسلفنا مراراً- تُسنُّ بملاحظة النَّوع ومراعاة الأغلبيَّة لا بملاحظة الأفراد، فرداً فرداً، ولا شكَّ في أنَّ الحالة الغالبة في الرِّجال أنّهم يتفوَّقون على النِّساء في القابليَّة على القيام بهذه المهمَّة، وإن كانت النُّسوة يمكنهنّ أن يتعهدن القيام بوظائف أخرى لا يشكُّ في أهميتها"[46].

إنّ وضع قانون يلائم جميع أفراد المجتمع ويتوافق مع مصلحتهم كلّهم أمر مستحيل، فلا بدّ من ملاحظة مصلحة غالب الأفراد ولحاظ نوع الأفراد، مثلاً لو أُريد وضع قانون لتحديد السّنّ القانونيّة المسموحة لقيادة السّيارة فإنّهم يلحظون نوع البشر ويحدّدون سناً معيّنة يكون غالب الأفراد في هذا السنّ مهيئين لقيادة السيّارة من ناحية البنيّة الجسديّة وغير ذلك، فيوضع القانون، وبعد وضع القانون لا يسمح لمن هم دون السنّ المحدّد أن يحصلوا على رخصة القيادة حتى لو كانت فيهم الصّفات المؤهّلة لهم لقيادة السّيارة؛ وذلك للحفاظ على القانون وعدم خرقه.

فغالب الرّجال عندهم ما يؤهّلهم لقيوميّة الأسرة متفوّقين على النّساء في هذا الجانب، ووجود بعض النّساء نادراً ممّن تفوقن على بعض الرّجال فكانوا أقدر على قيوميّة الأسرة لا يعني أن يسنّ القانون على وفق هذه الحالات النّادرة.

قال الشّيخ مصباح اليزديO ما مضمونه: "..في مقام وضع الأحكام والقوانين الاجتماعية وتعيين حقوق وتكاليف أفراد المجتمع تتمُّ ملاحظة أحوال وأوضاع الأعمَّ والأغلب دائماً، ويغضُّ النَّظر عن الحالات الاستثنائية.."[47].

النُّقطة الثَّانية عشرة: القيموميّة لا تعني الأفضليّة

كما أنّ إعطاء المرأة بعض الحقوق دون الرّجل لا يعني أفضليتها عليه، فكذلك إعطاء هذا الحقّ للرّجل لا يعني كونه أفضل من المرأة من النّاحية البشريّة، ولا كونه أفضل منها في يوم القيامة؛ فإنّ الأفضليّة في يوم القيامة مدارها التّقوى فقط، والمرأة معاونة للرّجل في تنظيم شؤون الأسرة، وقد يمتلك المعاون من المميزات ما يكون به أفضل من رئيسه.

قال آية الله العظمى الشّيخ الجواديّ الآمليّB ما مضمونه: "إعطاء الرَّجل إدارة الأسرة والقيومية على الزَّوجة وبعض المسؤوليَّات الثَّقيلة كالولاية والقضاء في المجتمع إنَّما هو لقدرته الأكثر في التَّدبير والإدارة، وليس لفضيلته وقربه الأكبر من الله تعالى؛ لأنَّ معيار كمال الإنسان -امرأة أو رجل- هو المعرفة والتقوى.. إنَّ القيَم الإنسانيَّة بسبب الرُّوح الملكوتيَّة للإنسان التي تشكِّل حقيقته ولا يوجد فيها مذكَّر ولا مؤنَّث بل الجسم هو الذي يكون مؤنَّثاً أو مذكَّراً.."[48].

ويقول في موضع آخر ما مضمونه: "من البديهي أنَّ المناصب الإجرائيَّة ليست سبباً للأفضليَّة عند الله تعالى، فكم من قائد دولة هو من أهل النَّار، وموته سبب لراحة النَّاس، وربَّ امرأة ربَّة منزل بذلت الجهد مخلصةً في تربية الأبناء هي مقرَّبة ومن أهل الجنَّة، وهي التي إذا ماتت أثناء الولادة لها ثواب شهيد. إنَّ القول بأنَّه (كلَّما كانت دائرة رئاسة أيَّ شخص أكثر كان مقرَّباً لله تعالى أكثر) باطل.."[49].

النّقطة الثّالثة عشر: قيمومة الأمّ على أولادها الذكور

قال آية الله العظمى الشّيخ الجوادي الآمليB: "في داخل الأسرة أحياناً تكون المرأة قيِّمة للرَّجل، وأحياناً أخرى الرَّجل يكون قيِّماً للمرأة، قيموميّة الرَّجل على المرأة مثل قيوميّة الزَّوج على زوجته، وقيموميّة المرأة على الرَّجل مثل قيموميّة الأم على أولادها الذُّكور، ووجوب إطاعة الابن الذَّكر لأمِّه، فالابن في أيِّ مرتبة ودرجة علميَّة وفي أيِّ سنٍّ وموقع اجتماعيّ كان عليه أن لا يهيَّء موجبات عقوق وأذيَّة الأمّ، وبهذا المقدار عليه أن يكون مطيعاً للأم.."[50].

وعليه فحتى الولاية والقيوميّة داخل الأسرة لا تنحصر بقيوميّة الرّجل على المرأة حتى يُتوهّم أنّه قد وقع ظلم للمرأة وتُتهم أحكام الدِّين الإسلامي بالانحياز للرّجل، بل إنّ للمرأة الأمّ ولاية وقيوميّة على أبنائها الذّكور، نعم قيوميّة الأمّ على أولادها الذكور إنّما هي في حدود ألّا يفعل الابن ما يؤذي الأمّ، كما أنّ قيوميّة الزّوج على زوجته محدّدة بحدود معيّنة كذلك.

الخاتمة

يمكن تلخيص ما تقدّم في البحث في النّقاط التّالية:

يوجد قولان في تحديد قوامة الرّجال على النّساء: القول الأوّل يذهب لاختصاصها بالحياة الزّوجيّة، والقول الثّاني يذهب لشمولها للحياة الاجتماعيّة العامّة.

لقوامة الرّجال على النّساء سببان بيّنتهما الآية المباركة: السّبب الأوّل: تفضيل الرّجال على النّساء بقوّة التعقّل وحسن التّدبير. السّبب الثّاني: إنفاق الرّجال من أموالهم عليهنّ من المهر والنّفقة.

كلّ حكم شرعيّ لا ظلم فيه لأحد لأنّه صادر من الحكيم العادل تعالى وإن جهلنا حكمته.

لا يصحّ قصر النّظر على حكم قوامة الرّجال على النّساء لمعرفة رأي الإسلام ونظرته للمرأة، بل لا بدّ من النّظر للمنظومة الإسلاميّة ككلّ، وبالرّجوع للآيات القرآنيّة المتعدّدة نرى أنّ الإسلام قد أعطى المرأة مكانة مميّزة.

تحتاج الأسرة -كما في كلّ هيئة أو مؤسّسة- إلى مدبّر وقائد، وجعل القيادة والتّدبير لأحد الزّوجين لا بدّ أن يكون وفق مرجّحات، وطبيعة الرّجل تقتضي كونه هو المؤهّل لهذا المنصب.

إثبات قوامة الرّجل على زوجته لا يعني تجاوز ظلمها وتجاوز حقوقها، كما أنّ من أصول الحياة الأسريّة التي دعا إليها الإسلام هو أصل المشاورة.

إعطاء الرّجال حقّ القوامة على النّساء لا يعني أنّهم أفضل من النّاحية الإنسانيّة أو كونهم أقرب إلى الله تعالى.

وفي ختام البحث نصل إلى النتيجة المرجوّة من البحث وهي بيان أنّ حكم قوامة الرّجال على النّساء لا ظلم فيه للنّساء، بل هو عين الإنصاف للمرأة، فالإسلام العزيز بكلّ أحكامه وتشريعاته قد أنصف المرأة كما أنصف الرّجل.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآلِه الطّاهرين.


 


[1] الميزان في تفسير القرآن، السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ، ج4، ص: 343.

 

[2] التّفسير الكاشف، الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج2، ص: 314.

 

[3] المسائل المستحدثة، الشّيخ محمّد إسحاق الفيّاض، ص 245.

 

[4] الميزان في تفسير القرآن، السّيد محمّد حسين الطّباطبائيّ، ج4، ص: 343.

 

[5] پرسش‌ها وپاسخ‌ها (باللّغة الفارسيّة) ج5، ص316.

 

[6] تفسير تسنيم (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ الجواديّ الآمليّ، ج 18،ص544-545.

 

[7] سواء أخذنا بالقول الأوّل الذي يرى اختصاص القوامة بالحياة الزّوجيّة أم أخذنا بالقول الثّاني الذي يرى عدم الاختصاص، فالمراد هنا بيان حدود ومساحة قوامة الرّجال على النّساء داخل الحياة الزّوجية فحسب.

 

[8] المسائل المستحدثة، الشّيخ محمّد اسحاق الفيّاض، ص 245.

 

[9] التّفسير الكاشف، الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج 2، ص 315.‏

 

[10] المهذّب، القاضي ابن البّراج، ج 2، ص 225.

 

[11] المبسوط في فقه الإماميّة، الشّيخ الطّوسيّ، ج6، ص2.

 

[12] تفسير تسنيم (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ الجواديّ الآمليّ، ج 18 ص 551.

 

[13] راجع: كنز العرفان في فقه القرآن، الفاضل المقداد، ج2، ص: 212، وتفسير تسنيم (باللّغة الفارسيّة) ج18، ص 545، وغيرهما في تفسير الآية.

 

[14] الميزان في تفسير القرآن،السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ، ج4، ص: 343.

 

[15] مجمع البيان في تفسير القرآن، الشّيخ الطّبرسيّ، ج3، ص: 69. 

 

[16] كنز العرفان في فقه القرآن، الفاضل المقداد، ج2، ص211.

 

[17] المصدر السّابق.

 

[18] المصدر نفسه.

 

[19] التّفسير الكاشف، الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج2، ص315.

 

[20] التّحرير والتّنوير، محمّد الطّاهر ابن عاشور، ج4، 114.

 

[21] مجمع البيان في تفسير القرآن، الطّبرسيّ، ج3، ص: 69.

 

[22] فقه القرآن، القطب الراونديّ، ج2، ص: 116.

 

[23] پرسش‌ها وپاسـخ‌ها (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ،ج 5، ص316.

 

[24] التّفسير الكاشف، الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج2، ص: 316.

 

[25] المصدر نفسه.

 

[26] تفسير تسنيم (باللّغة الفارسيّة)، الشَيخ الجواديّ الآمليّ، ج 18 ص 545.

 

[27] المصدر نفسه.

 

[28] التّفسير الكاشف،الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج2، 314-315.

 

[29] بعض هذه النّقاط جاءت بالاستفادة من تفسير الأمثل في ذيل الآية الكريمة، ومن كتاب للشّيخ محمّد صنقور البحرانيّ بعنوان (مقالات حول حقوق المرأة).

 

[30] مقالات حول حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور البحرانيّ.

 

[31] پرسش‌ها وپاسـخ‌ها (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ، ج 5، ص275-276.

 

[32] للاستزادة والتَّفصيل يراجع كتاب الشَّيخ محمد صنقور (مقالات حول حقوق المرأة)، وفي بعض النّقاط توجد عدّة آيات ذكرها الشّيخ صنقور في الكتاب، ولكن سيُكتفى بذكر آية أو آيتين لكلِّ نقطة.

 

[33] مقالات حول حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور البحرانيّ.

 

[34] المصدر السابق.

 

[35] مستدرك الوسائل، الشّيخ النوريّ، ج14، ص:249- 250.

 

[36] أي: المستحبّات والمكروهات والمباحات بالمعنى الأخصّ.

 

[37] الكافي (طبعة دار الكتب الإسلاميّة)، محمّد بن يعقوب الكلينيّ، ج4، ص: 12.

 

[38] پرسش‌ها وپاسـخ‌ها (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ، ج5، ص307.

 

[39] پرسش‌ها وپاسـخ‌ها (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ، ج5، ص307.

 

[40] المصدر نفسه.

 

[41] التّفسير الكاشف، الشّيخ محمّد جواد مغنية، ج2، ص315.

 

[42] تفسير نور(باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محسن قراءتي،ج2، ص: 62.

 

[43] تفسير نور(باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محسن قراءتي،ج2، ص: 62.

 

[44] الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ، ج3، ص: 217.

 

[45] مقالات حول حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور البحرانيّ.

 

[46] الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ، ج3، ص217.

 

[47] پرسش‌ها وپاسـخ‌ها (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ، ج5، ص315.

 

[48] تفسير تسنيم (باللّغة الفارسيّة)، الشّيخ الجواديّ الآمليّ، ج 18، ص545-546.

 

[49] المصدر نفسه، ص554-555.

 

[50] المصدر نفسه، ص 568.

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا