آية القوامة، دراسة فقهيّة فكريّة مقارنة

آية القوامة، دراسة فقهيّة فكريّة مقارنة

الملخّص:

تعرّض الكاتب لآية القوامة بعد بيان معنى القوامة لغةً واصطلاحاً إلى معنى تفضيل الرجال على النساء في الآية والأقوال فيها، ثم ذكر تطبيقات فقهيّة متعددة وفي مختلف الأبواب الفقهيّة للآية الشريفة، وقد دمج الكاتب بين الجانب الفقهيّ وبين الجانب الفكريّ فيما يتعلق بمدلول الآية، مجيباً على بعض الإشكالات الفكريّة.

مقدّمة

من الآيات المهمَّة في مباحث آيات الأحكام هي قوله تعالى: {الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..}(النساء/34)، حيث إنَّها تدخل في أحكام الأحوال الشخصيَّة والأسرة، وأحكام المرافعات، والقضاء، والشهادة، وأحكام الميراث وغيرها، ورغم كثرة تطبيقاتها وموارد الاستدلال بها في الأبواب الفقهيّة المتنوّعة إلا أنَّي لم أجد بحثاً جمع مباحثها المختلفة بين دفَّتين، رغم ما لذلك من أهمّيةٍ كبرى في الإحاطة بفهمها وما لذلك من دورٍ في استنباط الأحكام المختلفة منها.
وقد اخترت أن يكون البحثُ فقهياً فكريّاً حول هذه الآية، ومركِّزاً على القوامة كحكمٍ شرعيٍّ له تطبيقاته المتعدِّدة، مع الوقوف على معناها اللّغويّ والاصطلاحيّ، وما يستفاد ويتحصَّل منهما في حلِّ كثيرٍ من الإشكالات والشُّبهات، وتحليل أسباب جعلها للرُّجل دون المرأة، ثمَّ ذكر نماذج تطبيقاتها وغيرها.
ومن دواعي اختيار هذا البحث ما نلاحظه بين الفينة والأخرى من إثاراتٍ حول الإسلام وأحكامه فيما يتعلَّق بشؤونِ المرأة، وذلك تحت شعار (الدفاع عن حقوق المرأة) مفادها: أنَّ الإسلام يمارس الظُّلم وعدم المساواة لها مع الرَّجل، وأنَّ الدِّين الإسلاميّ دينٌ ذكوريٌّ، وأنَّ أحكامَه لا تواكب تطوّر الزمان وظروف المكان، وأنَّها جعلت في ظرفٍ زمانيٍّ مختلفٍ عن واقع اليوم الزمانيّ والمكانيّ والفكريّ والتعليميّ؛ وهذا ما يجعلها غير منسجمة مع إنسان اليوم وواقعه. 
والكلام في ثلاثة مباحث: 

المبحث الأوَّل: معنى «القوامة» لغةً واصطلاحاً

المعنى اللّغويّ: 

«قوَّام» صيغة مبالغةٍ من قائم، فمعناها: كثير القيام، وقد ذكر اللّغويّون لمادّة ومشتقّات «قوّام» عدّة معاني، منها:
ما في المصباح المنير: "قام بالأمر، يقوم به، قياماً، فهو قوّام وقائم"، فهذه الجملة تشهد على أنَّ قوَّام بمعنى قائم، أي صيغة مبالغةٍ لمعنى قائم.
وأقرب الموارد يقول: "قام الرَّجل المرأة وعليها -أي: قام الرَّجل على المرأة- مانَها أي: موَّلها وقام بشأنها". وفي أقرب الموارد أيضاً: "القوّام، كشدّاد: الحَسَنُ القيام بالأمر".
أمّا في النِّهاية لابن الأثير فقد نقل عن كتاب أبي موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني يقول: "القوم في الأصل: مصدر قام، فوصف به، ثمّ غلب على الرِّجال دون النساء.. وسمّوا بذلك لأنّهم قوّامون على النّساء بالأمور التي ليس للنّساء أن يقمن بها".
وجاء في لسان العرب: "قام الرَّجل على المرأة: مانَها. وإنّه لقوّام عليها مائنٌ لها".
وأيضاً في لسان العرب "وفي التنزيل العزيز: ﴿الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ..﴾ وليس يراد ههنا ـ والله اعلم ـ القيام الذي هو المُثُول والتّنصُّب وضدّ القعود، إنّما هو من قولهم قمتُ بأمرك، فكأنَّه ـ والله أعلم ـ الرِّجال متكفّلون بأمور النّساء معنيّون بشؤونهن".
وقال أيضاً في لسان العرب: "وقد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح، ومنه قوله تعالى: ﴿الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ..﴾ وقوله تعالى: {..إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً..﴾ أي ملازماً محافظاً».

المستفاد من المعنى اللغويّ:

نلاحظ أنَّ اللغويين اتفقوا على أنَّ جذر المفردة من «القيام» مفردها: قائم، والقيام إذا لم يتعدَّى بالباء أو بـ«على» مثلاً فهو المثول والتنصّب، إلا أنَّه إذا عُدّي بهما كما لو قيل: القيام بكذا، والقيام على كذا، فإنّهم قالوا معناه إما تكفّله، أو مانَه وموّله، أو حافظ عليه وأصلحه.
وإذا ما أردنا إسقاطه على موردنا فنقول: القيام المتصوّر في الآية الكريمة -بعد انتفاء أن يكون هو القيام بمعنى المثول- لا يخلو إما أن يكون المراد به: 
الرَّجل يقوم بأمر المرأة، أي بشؤون المرأة. 
أو الرَّجل قائمٌ على المرأة، أي: المتكفّل والمحافظ والمصلح لها ولشؤونها من خلال الرعاية والاهتمام.
وكلا المعنيين بمعنى واحد تقريباً، وإن كانت الآية تعدَّت بـ"على" لا بالباء، على أنَّ بعض اللّغويّين أكَّد معناها بالتنبيه على أنَّ أصل مصدر قام هو "قوم" فوصف به، ثمَّ غلب على الرِّجال دون النّساء، وسمّوا بذلك لأنَّهم قوّامون على النّساء بالأمور التي ليس للنّساء أن يقمن بها، وهذا معناه أنَّ الرِّجال يقوِّمون النّساء بأشياء تعجز المرأة عن القيام بها.
إذن اتضح من خلال هذه التعاريف التي تقدّمت أنّ القوامة معناها: إنَّ الرِّجال يكفلون ويحافظون ويهتمون بالنِّساء ويقومون بتدبير شؤونهنَّ، وقد ذكر الآلوسيّ لفتةً نحويّةً بلاغيّةً لطيفةً في الآية يقول فيها: "واختيار الجملة الاسميّة مع صيغة المبالغة [يعني:{قَوَّامون}؛ للإيذان بعراقتهم ورسوخهم في الاتصاف بما أسند إليهم".
نعم، هذه القوّامية حينما تنسب إلى المقام عليه إذا كان إنساناً عاقلاً، فيؤمَر ويُنهى، باعتبار أنَّ المحافظة عليه وإدارة شؤونه تحتاج إلى شيءٍ من الأمر والنّهي، فلا تدلُّ الآية على أمر الزَّوج ونهيه لزوجته في كلِّ شيءٍ حتى تنافي سلطنتها على سائر تصرَّفاتها، بل حدود أوامره ونواهيه هي الأوامر والنَّواهي التنظيميّة لشؤون الأسرة.

المعنى الاصطلاحيّ: 

إنَّ كلمة {قَوَّامُونَ} «أي: "القوامة"- ليس لها حقيقة شرعيَّة ولا مصطلحاً فقهياً ثابتاً، ولذلك فقد جاءت محاولات متعددة لبيانها من خلال سياق الآية واستعمالات أهل اللّغة والعرف المحاوري، فذكرت تعريفات توضيحيّة كثيرة للمعنى الاصطلاحي -القرآنيّ أو الفقهيّ- للقوامة في الآية الكريمة بعضها مفصّل وبعضها مختصر، نذكر بعضها ها هنا:
قال الطريحيّ في مجمع البحرين: "قوله {الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ} أي: لهم عليهنَّ قِيَامُ الولاء والسياسة".
وقال الشيخ السبحانيّ في بعض رسائله الفقهية مفصِّلاً: "إنَّ الرِّجال قائمون بشؤون النّساء قيام الولاة على الرعيّة في مجال التَّدبير والتَّأديب والذبِّ عن التعدي إليهنّ. يقال: قام الرَّجل على المرأة: قام بشأنها، وليس المراد من قيامهم بشأنهنّ هو إنفاقهم عليهنَّ؛ لأنَّه سبب الولاء لا مورده كما يشير إليه فيما بعد بقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} بل المراد هو القيام بسائر الشؤون ممّا تقوم عليه الحياة الاجتماعيَّة التي تتوقف على العقل والتدبير، والقوّة والاستطاعة".
ويقول وهبة الزحيليّ في تفسيره: "{قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} يقومون بأمرهنّ ويحافظون عليهنّ ويتسلطون عليهنّ بحق، ويؤدبونهنّ ويأخذون على أيديهنّ؛ أي أنَّ القوامة تعني الرئاسة وتسيير شؤون الأسرة والمنزل، وليس من لوازمها التسلّط بالباطل".
وقال الشيخ محمّد صنقور: "المقصود من جعل القيمومة للرجل هو إناطة مسؤوليّة تدبير شؤون الحياة العامّة والخاصّة بالرَّجل، بمعنى أنّه المسؤول عن رعاية شؤون الحكم والقضاء، وهو المسؤول عن حماية المجتمع فيما لو داهمه خطر من الداخل أو الخارج، وهكذا الحال فيما يتصل بالأسرة، فهو المكلّف بحياطتها وتدبير شؤون معاشها..". 
وقال الشيخ محسن قرائتي في تفسيره النّور مختصِراً: "القوامة: هي التعهّد بتأمين نفقات الأسرة وتدبير شؤونها وإدارة معيشتها".

ما يستفاد من المعنى الاصطلاحي:

إنَّ القوامة لا تعدو كونها وظيفةً أنيطت بالرَّجل استجابةً لنداء الفطرة التي أودَعت في جبلته الخصائص والقابليّات المناسبة لوظيفته وكذلك المرأة.
وإنّ جعلها بيد الرَّجل لا يحدّ من حريّة المرأة وكرامتها وإنسانيتها وتصرّفاتها وأعمالها، فهو تقنين لمؤسسة الأسرة ولدور الزوج في تسيير سفينة البيت الزوجي إلى شاطئ الأمان.
بل إنَّ قواميّة الرَّجل على المرأة نحو ميزةٍ وتكريمٍ واحترامٍ للمرأة بما ينسجم مع طبيعتها التكوينيّة؛ إذ غايتها المحافظة عليها، والاهتمام بها وتدبير شؤونها، فهو امتيازٌ لها لا يجوز سلبه عنها بحجّة حقوقها، أي إنّه حقٌّ لها لا عليها. 
ويمكن استفادة ذلك من الرواية الشريفة حول سبب نزول الآية الكريمة: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّg قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّe رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِابْنَةٍ لَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ زَوْجَهَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْأَنْصَارِيُّ وَإِنَّهُ ضَرَبَهَا فَأَثَّرَ فِي وَجْهِهَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِe لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُd {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أَي:ْ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْأَدَبِ...».
ما يُتحصّل من معنى «القوامة»:
 1. إنَّ القوامة مجرَّد وظيفةٍ وتكليفٍ للرُّجل لا تشريفٌ زائدٌ بلا مسؤوليّةٍ في مقابله، فهي مجرّد واجبٍ وفريضة.
 2. إنّ القوامة بالمعنى القرآنيّ الصحيح لا تعني -كما يتوهّم البعض- التسلّط ومصادرة وجود المرأة، وإلغاء دورها وفاعليّتها في الشأن الخاصّ والعامّ في الأسرة؛ وقد ورد التوصيّة عن الإمام الصادقg برعاية المرأة حيث يقول: «رَحِمَ اللهُ عَبْداً أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وبَيْنَ زَوْجَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَd قَدْ مَلَّكَهُ نَاصِيَتَهَا وَجَعَلَهُ الْقَيِّمَ عَلَيْهَا».
 3. إنّ جعل القوامة للرجل ليس استنقاصاً بالمرأة ولا إهانةً -كما سنبيّن-، بل هو تصنيفٌ وتوزيعٌ للأدوار ليس أكثر.
 4. إنّ القوامة لا تعني استقلاليّة الرَّجل المطلقة في الإدارة، فالحياة الزوجيّة مشتركةٌ بينهما، والقرارات فيها مشتركة، نعم حتى تستمر الحياة لا بدَّ أن يكون الحسم في القرارات والكلمة الفصل بيد أحدهما، فهي قضيّةٌ إداريّةٌ تنظيميّةٌ بديهيّةّ لا بدَّ منها.
 5. إنَّه لا محاباة عند الله ولا تفضيل مطلق للرَّجل، فالله سبحانه هو خالق الرَّجل والمرأة ولا نسب ولا قرابة بينه وبين الرِّجال دون النّساء.

لماذا جُعلت القوامة للرجال؟

يجيب هذا البحث بمباحثه الثلاثة على هذا السُّؤال، فمن خلال ما مرَّ ذكره -وما سيأتي- يتّضح جواب هذا السُّؤال جليّاً، ومع ذلك نذكر هنا وجوهاً: 
منها: ما ذكرته الآية الكريمة نفسها وهو عنصر الإنفاق: إنَّ الزوج يستحقّ أن تناط إليه وظيفة القوامة والرئاسة في النِّظام العائليّ بإزاء ما يتحمَّله من الإنفاق على الأولاد والزوجة، ولقاء ما تعهَّده من القيام بكلِّ التكاليف اللاّزمة من مهرٍ ونفقةٍ وإدارةٍ ماديّةٍ لائقةٍ للعائلة.
ومنها: ما ذكره صاحب المجمع بقوله: "وعُلِّل ذلك [جعل القوامة للرجل] بأمرين: 
أحدهما: موهبيٌّ من الله تعالى وهو: أنَّ الله فضَّل الرِّجال عليهنَّ بأمورٍ كثيرةٍ من كمال العقل، وحسن التدبير وتزايد القوّة في الأعمال والطاعات. ولذلك خصُّوا بالنبوّة، والإمامة، والولاية وإِقَامَة الشعائر والجهاد، وقبول شهادتهم في كلِّ الأمور، ومزيد النَّصيب في الإرث وغير ذلك. 
وثانيهما: كسبيٌّ وهو: أنَّهم ينفقون عليهنَّ، ويعطونهنَّ المهور مع أنَّ فائدة النّكاح مشتركةٌ بينهما. والباء في قوله{وَبِما أَنْفَقُوا} للسببيّة، وما مصدريّة أي بسبب تفضيل الله، وبسبب إنفاقهم. وإنما لم يقل: بما فضلَّهم عليهنَّ، لأنَّه لم يفضّل كلّ واحدٍ من الرِّجال على كلِّ واحدةٍ واحدةٍ من النّساء، لأنَّه كم امرأة أفضل من كثيرٍ من الرِّجال".

أليس جعل القيمومة للرجل استنقاصٌ للمرأة؟

إنَّ حقيقة القيمومة في الأسرة ليست من قبيل الولايّة على المجانين والسفهاء والأطفال كما يتصوَّر البعض، بل هي من قبيل قيمومة الوالي على الرعيّة، والحكومة على الشَّعب، إذ لا يعني هذا أنَّ أفراد الشعب فيهم من النّقص والتحقير؛ لأنَّ الشعب المتفرِّق في البلد يحتاج إلى من يدبِّر أمره ويؤدِّب خاطئه، ويذبّ عن كيانه، وشرفه، وماله. ومثله العائلة فالبيت مجتمعٌ صغيرٌ في مقابل البلد الذي هو مجتمعٌ كبيرٌ، والولاية عليه كالولاية على الجماعة الكبيرة.

لماذا لا تكون «القوامة» بيد المرأة؟

إنَّ الإسلام ينطلق في كلِّ أحكامه وتعليماته من منطلق الإيمان بوجود الفرق بل الفروق بين الرَّجل والمرأة، فإنَّ المرأة تتصف بخصائص نفسيّةٍ وجسديّةٍ تتناسب وأدوارها الحياتيّة والتربويّة والأسريّة، وهي صفاتٌ لا تتلائم ودور القوامة الذي يحتاج إلى قوّة تعقّلٍ وشدّةٍ وبأسٍ، ومن أهمّ صفاتها تلك:
 1. العاطفة الجيّاشة، والتي لها مظاهر كثيرةٌ، منها:
 2. عدم السيطرة على مشاعرها وعواطفها.
 3. ضعفها أمام المواقف الصعبة.
 4. انهيارها أمام المشاهد المأساويّة.
 5. عدم قدرتها على كتمان السرّ والأخبار المزعجة.
6. تفاعلها الشديد بالإطراء والثناء.
 7. اهتمامها البالغ بذاتها وجمالها.
 8. جنوحها نحو السلم والموادعة.
 9. رغبتها في الانقياد للرجل القويّ.
 10. الحياء والتوجّس من المواقف المخجلة.

الرد على شبهة كاتبة:

وبناءً على هذا -من كون خصائص المرأة هذه ثابتةً لم تتغير- يتّضح الجواب على شبهة أنَّ هذه الآية كانت ناظرةً إلى حال المرأة في زمانٍ ما، وقد تغيّر حالها اليوم فقد تساوت مع الرَّجل في ميدان الحياة، وبالتالي فلا قوامة للرجل عليها، وهو ما ذكرته إحدى المناديات بحريّة المرأة ومساواتها بالرَّجل، الكاتبة أمينة السعيد حيث تقول: "إنَّ القوامة اليوم لا مبرر لها؛ لأنّ هذه القوامة مبنيّةٌ على المزايا التي كان الرَّجل يتمتع بها في الماضي، في مجال الثقافة والمال، وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرَّجل في كلِّ المجالات فلا مبرّر للقوامة".
وإنَّ هذه الدعوى تخالف منطق الحياة؛ لأنَّ الحياة قائمةٌ بهما، ولو تساويا في جميع الجهات لأمكن الاكتفاء بأحدهما، ومحالٌ أنْ تستقيم الحياة بأحدهما دون الآخر. وإنَّ التفاوت في التكوين العضويّ يستلزم قطعاً التفاوت في بعض الحقوق والواجبات والوظائف، وطلب المساواة فيمن اختلفت خصائصهما النفسيّة والجسديّة إجحافٌ وظلم.

المبحث الثاني: معنى التفضيل وحيثيّته:

ما هي الآراء في معنى قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
الجواب:

1. لحيثيّة الإنفاق:

لقد بيّنت تتمة الآية جهة التفضيل وهي إنفاق الرِّجال على النّساء فهو سببٌ لتفضليهم عليهنّ، وهذا المعنى مقبولٌ عرفاً، وهو الظاهر من الآية، كما يصحّ لنا أن نقول: إنّ الزوجة إذا أنفقت على زوجها وكان طريح فراش المرض وقامت بأمره ودارت شؤونه، فهي صاحبة فضل عليه بهذا المقدار، فليست الآية ناظرةً إلى التفضيل المطلق.

2. لحيثيّة متطلبات القوامة:

وهي الجهات التي تتصل بمقتضيات القوامة، وهي قوّة التعقّل، وشدّة البأس والقوّة، والقدرة على تحمّل الشدائد، وقد ذهب إلى هذا الرأي العلّامة الطباطبائي في ميزانه: "والمراد بما فضلّ الله بعضهم على بعضٍ هو ما يفضل ويزيد فيه الرِّجال بحسب الطبع على النّساء، وهو زيادة قوة التعقّل فيهم، وما يتفرّع عليه من شدّة البأس والقوّة والطاقة على الشدائد من الأعمال ونحوها فإن حياة النّساء حياةٌ إحساسيّةٌ عاطفيّةٌ مبنيّةٌ على الرقّة واللّطافة"، والفخر الرازيّ في تفسيره وقد فصّل أكثر بقوله: "واعلم أنَّ فضل الرَّجل على النّساء حاصلٌ من وجوهٍ كثيرةٍ: 
بعضها صفاتٌ حقيقيّة. 
وبعضها أحكامٌ شرعيّة. 
أمّا الصفات الحقيقيّة فاعلم أنَّ الفضائل الحقيقيّة يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة. 
ولا شكّ أنّ عقول الرِّجال وعلومهم أكثر، ولا شكّ أن قدرتهم على الأعمال الشاقّة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النّساء في العقل والحزم والقوّة، والكتابة في الغالب والفروسيّة والرمي، وأنّ منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق، وفي الأنكحة عند الشافعي رضي الله عنه، وزيادة النصيب في الميراث والتعصيب في الميراث، وفي تحمل الدية في القتل والخطأ، وفي القسامة والولاية في النّكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، فكل ذلك يدلّ على فضل الرِّجال على النّساء".

3. التفضيل المتقابل:

بمعنى أنَّ الله فضّل النّساء على الرِّجال في أمورٍ وخصوصيّات، وفضّل الرِّجال على النّساء في أمورٍ وخصوصيّات؛ وذلك للتكامل بينهما لا للتفاضل بينهما، وذهب له الراغب الأصفهانيّ في تفسيره، وذهب له الشيخ الآصفيّO حيث يقول: "ليس هذا التفضيل في التكوين بمعنى أنَّ الله‌ تعالى خصَّ الذكور من الجنسين بالتفضيل في كلِّ شيء من المؤهّلات الإنسانيّة، فلا دلالة لقوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} على ذلك، ولا يدلُّ عليه الواقع التكويني للجنسين، وهو أمرٌ واضح لا يمكن النّقاش فيه؛ فإنَّ اللّه‌ تعالى خصَّ الأنثى من الجنسين بتفضيلّ في تكوينها لا يوجد في الذكور، فهي تمتلك من الرقّة والجمال والعاطفة والجاذبيّة وغير ذلك مما لا يمتلكه الذكور، وفضلّ اللّه‌ الذكور على الإناث بالشدّة والقوّة والغلظة والقدرة على المواجهة ما لا تمتلكه الإناث.. إذاً، فالتفضيل التكويني حالةٌ متعادلةٌ موزّعةٌ على الجنسين بصورةٍ متوازنةٍ، والتعبير القرآني{بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} دقيق؛ إذ لو قال ـ مثلاً ـ : «بما فضل اللّه‌ الرِّجال على النّساء» لاختلف الأمر ؛ لأنّ التعبير الأوّل يشير إلى تفاضل متعادلٍ موزعٍ بين الجنسين {بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ} والثاني يشير إلى تفضيل الرِّجال على النّساء، والذي ورد في القرآن هو الأوّل".

4. التفضيل المتبادل:

حيث إنَّ الآية لم تحدد تفضيل كلّ الرِّجال على كلّ النّساء بل قالت: {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، ولم تعيّن من هم البعض على البعض الآخر، فيحتمل أن يكون المراد تفضيل رجالٍ ونساءٍ على رجالٍ ونساءٍ آخرين، يعني بما فضّل الله بعض الرِّجال والنّساء على بعض آخر من الرِّجال والنّساء.

5. تفضيل بعض الرِّجال على بعض النّساء:

يقول الشيخ مغنية: "الضمير في {بَعْضَهُمْ} يعود على النّساء والرِّجال معاً، وذكر الضمير من باب التغليب، والمراد ببعض الأولى الرِّجال، وببعض الثانية النساء.. لو قال (فضلهم عليهنّ) لفُهم منه تفضيل جميع أفراد الرِّجال على جميع أفراد النّساء، وهذا غير مقصود؛ لأنّه بعيدٌ عن الواقع، فكم من امرأةٍ هي أفضل من ألف رجلٍ، فجاء لفظ بعض للإشارة إلى أنَّ التفضيل إنما هو للجنس على الجنس من حيث هو بصرف النّظر عن الأفراد".

6. التفضيل المطلق للرجال:

يقول ابن كثير: "يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي: الرَّجل قيّمٌ على المرأة؛ أي هو رئيسها وكبيرها، والحاكم عليها ومؤدبها إذ اعوجّت {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: لأنّ الرِّجال أفضل من النّساء، والرَّجل خيرٌ من المرأة ؛ ولهذا كانت النبوّة مختصّةٌ بالرِّجال، وكذلك الملك الأعظم".

7. لا تفضيل إلا للقادر على القيام بالمهمّة:

يقول الشيخ الدكتور الفضلي: "إنَّ التفضيل المشار إليه في الآية الكريمة لا يعني تفضيل الرِّجال خاصّة، كما أنّه لا يعني تفضيل النّساء خاصّة، وإنما يراد به أنّ إناطة المسؤوليّات وفرض الواجبات يعتمد قاعدة التفضيل الذي يقوم على أساسٍ من القدرة على النهوض بالمهمّة والقيام بها".

8. التفضيل الاجتماعي:

ذهب كلٌّ من السيّد الخوئيّO والشيخ الجواديّ الآمليّ إلى أنَّ الآية لا تدلُّ على أكثر من كون الرِّجال مقدّمين اجتماعيّاً على النّساء، فعندما سئل السيّد الخوئيّ عن الآية {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ} وهل يستفاد منها حكمٌ شرعيٌّ تكليفيٌّ غير حرمة الخروج من الدار من دون إذن الزوج؟ 
أجابO: "ليست الآية في مقام بيان ما ذكرت من حرمة الخروج بغير إذن الزوج وإنما ذلك وغيره من حقوق الزوج على الزوجة التي تعرف من موارد أخرى، وهذه في مقام بيان تقدّم الرِّجال وفضلهم اجتماعيّاً على النّساء، ثم إنّه في موارد تخلفهنّ عن أداء واجبهنّ الجنسي لأزواجهنّ فما علم من الخارج وجوبه فللأزواج علاجها بأمور ذكرت هناك، واللّٰه العالم"، أمّا الجواديّ الآمليّ فيقول: "{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: إنّ المسائل الاجتماعيّة والخبرة الاقتصاديّة، والسعي، وبذل الجهد في كسب المال، وتوفير مستلزمات البيت، وإدارة المعيشة يجيدها الرَّجل بشكلٍ أفضل". 

9. لحيثيّة تابعيّة الخلق: 

الصدوق، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ جَدِّهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍg،قَالَ: «جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللهِe فَسَأَلَهُ أَعْلَمُهُمْ عَنْ مَسَائِلَ، فَكَانَ فِيمَا سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: مَا فَضْلُ الرِّجال عَلَى النِّسَاءِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّe: كَفَضْلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَفَضْلِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، فَالْمَاءُ يُحْيِي الْأَرْضَ، وَبِالرِّجال تُحْيَا النِّسَاءُ، وَلَوْلاَ الرِّجال مَا خَلَقَ اللهُ النِّسَاءَ، يَقُولُ اللهُa: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.
قَالَ الْيَهُودِيُّ: لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ هَكَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّe: خَلَقَ اللهُ a آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَمِنْ فَضْلَتِهِ وَبَقِيَّتِهِ خُلِقَتْ حَوَّاءُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَطَاعَ النِّسَاءَ آدَمُ، فَأَنْزَلَهُ اللهُaَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَ فَضْلَ الرِّجال عَلَى النِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا، أَلاَ تَرَى إِلَى النِّسَاءِ كَيْفَ يَحِضْنَ وَلاَ يُمْكِنُهُنَّ الْعِبَادَةُ مِنَ الْقَذَارَةِ، والرِّجال لاَ يُصِيبُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الطَّمْثِ؟! قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، يَا مُحَمَّدُ».

المبحث الثالث: موارد تطبيق الآية في أبواب الفقه

إنّ آية القوامة من الآيات التي استظهر الفقهاء منها أحكاماً متعدّدة، وذلك من خلال ملاحظتها بلحاظاتٍ مختلفة ومن زوايا متنوعة، وكذلك بملاحظة لوازم وآثار جعل القوامة للرجل، وهذا ما حاولنا جمعه في هذا البحث من خلال تتبّع الموارد والمسائل الفقهيّة في الأبواب الفقهيّة المتعددة، وقد ذكرنا أهمّ نماذج تطبيق هذه المفردة الفقهيّة في الأبواب المختلفة:

باب النكاح: وفيه عدّة تطبيقات: 

التطبيق الأوّل: وجوب طاعة الزوجة لزوجها

ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب طاعة الزوجة لزوجها، ودليلهم في ذلك الآية الكريمة محلّ البحث، ونقل صاحب موسوعة الفقه الإسلاميّ المقارن عن علماء الفريقين هذا الحكم بقوله: "الزوج قيّمٌ على الزوجة؛ لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} فللزوج على زوجته نوع سلطنةٍ وسبيلٍ، بسبب ما فضَّله اللهُ عليها، وبسبب ما ينفق عليها من أمواله، فلا يجوز لها عصيانه في الأمور التي تتعلّق به".
وقد صرّح غير واحدٍ من علماء أهل السنّة بهذا الحكم، منهم مثلا:
الأوّل: الجصّاص، يقول في أحكامه أيضاً: "دلّت الآية على معانٍ.. وأنَّ عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، ودلَّت على وجوب نفقتها عليه بقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}..".
الثاني: الرازيّ، وقد أشار لهذا المعنى في تفسيره أيضاً بقوله: "..ثمَّ إنَّ الزوج اختصّ بأنواعٍ من حقوق الزوجة، وهي التزام المهر والنفقة، والذبّ عنها، والقيام بمصالحها، ومنعها عن مواقع الآفات، فكان قيام المرأة بخدمة الرَّجل آكد وجوباً، رعايةً لهذه الحقوق الزائدة وهذا كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}".

التطبيق الثاني: وجوب النفقة

يستدلّ الفقهاء على وجوب نفقة الزوجة على الزوج بهذه الآية الكريمة: 
وممّن صرّح بذلك من فقهاء الشيعة العلاّمة الحلّيّ يقول: "واعلم أنّ نفقة الزوجة واجبةٌ بالكتاب والسنّة والإجماع، أمّا الكتاب فقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} اتفقوا على أنَّ قوله {وَبِمَا أَنْفَقُوا} على سبيل الوجوب".
وكذلك القطب الروانديّ في فقه القرآن: "قال تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وفيه دليلان على وجوب ذلك أحدهما قوله: {قَوَّامُونَ} والقوّام على الغير هو المتكفّل بأمره من نفقةٍ وكسوةٍ وغير ذلك والثاني قوله {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يعني أنفقوا عليهنّ من أموالهم".
وكذلك ذكر ذلك الشيخ مغنيةO في فقه الصادقg بقوله: "تجب نفقة الزوجة على زوجها، حتى ولو كانت غنيّةً، إجماعاً ونصّاً، ومنه ... قوله سبحانه {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وبِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ}".
أما الروايات الشريفة فقد فسّرت الآية بذلك، فقد نقل عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وبِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ} يَعْنِى: «فَرَضَ اللهُ عَلَى الرِّجال أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى النِّسَاءِ».

التطبيق الثالث: وجوب التمّكين

ذكر المحقّق النجفيّ في باب النفقة -عند تعرّضه لبيان أنّ تمكين الزوجة شرطٌ فيها أو أنّ النشوز مانعٌ منها- لمثل هذا، فقال: بل ربما يشمّ من قوله تعالى: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ} ما يشبه معاوضة الاستمتاع بالإنفاق على نحو ما ورد من الإنفاق على الدابّة عوض ما يستوفيه من منافع ظهرها، كما أنّه يشمّ من نصوص بيان حقّ كلٍّ منهما على الآخر مقابلة كلٍّ منهما لصاحبه.
وإن لم يقبل العلاّمة الحلّيّ ذلك حيث يقول: "الصحيح أنَّ قوله تعالى {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وبِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ} لا صراحة فيه على أنَّ ما يقابل الاستمتاع هو بذل النفقة، بل لعلَّ المراد منه هو المهر الذي بذله الزَّوج لزوجته".

التطبيق الرابع: نكاح المشرك

يفتي الفقهاء بحرمة زواج المسلمة من الكافر، وذلك لأنَّ " كلَّ زوجٍ له على زوجته تسلّطٌ وسبيلٌ، ولا شيء من الكافر له تسلّطٌ على المسلمة ولا سبيل، وذلك يستلزم صدق لا شي‌ء من زوج المسلمة بكافرٍ (أمَّا المقدّمة الأولى) فلقوله تعالى {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ} (وأما المقدّمة الثانية) فلقوله تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}".
ويقول العلاّمة الحلّيّ: "إنّ للزوج على الزوجة نوع سلطنةٍ وسبيل، لقوله تعالى: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ} والكافر لا سبيل له على المسلمة، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}".
ولذلك لو أنّ امرأةً أسلمت ولم يسلم زوجها بطل العقد، إذ بقاء الزوجيّة مع كفر الزوج يرجع إلى علوّ الكافر على الزوجة المسلمة وأن يكون له سبيلٌ عليها؛ لأنَّ {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ}.

التطبيق الخامس: تعدّد الزوجات لا الأزواج

إنَّ نتيجةً من نتائج ثبوت كون القوامة بيد الرَّجل هي ضرورة وحدة القيِّم لتماسك الأسرة، فإنّ تعدد القيِّم يفسد الأسرة، وبعبارة أخرى: إنَّ النّكتة التي أوجبت حرمة تعدّد الأزواج للمرأة، وجواز تعدد الزوجات للرجل -وكذلك أوجبت الغيرة على الرَّجل وحرّمتها على النّساء- هي: أنّ الإسلام رأى أنَّ حياة المجتمع ترتبط بمدى استحكام وتماسك بنية الوحدة العائليّة، ورأى أنَّ هذا التماسك في بنيتها يتوقّف على قواميّة الرَّجل، ورأى أنَّ تعدد القيِّم بتعدّد الزوج يفسد وحدة تماسك البنية العائليّة، بينما لو اتّحد القيّم فتعدد العائلة لا يوجد مفسدة من هذا القبيل، بل هذا القيِّم الواحد يبني وحدتين عائليتين من هذا القبيل، وكلٌّ منهما بحدّ ذاته وحدةٌ متماسكة، على أنَّ اختلاط النّسل في موارد ثبوت النّسل أيضاً يضرّ بتماسك بنية الوحدة العائلية ضرراً كبيراً كما هو واضح.

باب القضاء

التطبيق السادس: عدم جواز تصدّي المرأة للقضاء

استند القائلون بعدم تولية المرأة لمنصب القضاء إلى عمومية آية القوامة، وقد ادّعي في مدرسة أهل البيتi عدم الخلاف بل الإجماع على عدم انعقاد القضاء للمرأة، واستدلّ بوجوه من أهمّها قوله تعالى: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ} فإنَّه ظاهرٌ في قيموميّة الرِّجال على النّساء، ولازمها سلطنة الرِّجال وحكومتهم عليهنّ دون العكس.
وما ورد من رواياتٍ كثيرةٍ منها حديث وصيّة النبيّe لعليّg قال: «يا علي ليس على النّساء جمعة (إلى أن قال) ولا تولّى القضاء».
وهكذا ذهب علماء الجمهور إلى أنّه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء ولو وُلِّيت أثم المولّي وتكون ولايتها باطلة، وحكمها غير نافذٍ في جميع الأحكام وهو مذهب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة، وقد استدلّوا بالآية الكريمة محلّ البحث بتقريب: إنّ الرَّجل قيّمٌ على المرأة بمعنى أنّه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها، فالآية تفيد عدم ولاية المرأة وإلا كانت القوامة للنّساء على الرِّجال، وهو عكس ما تفيده الآية.
ويقول ابن الحاجب: "عدم جواز تولية المرأة للولايات العامّة كالقضاء ونحوه، والإجماع منعقدٌ على أنّ المرأة لا تتولى منصب الإمامة الكبرى للأمّة، فلا تكون حاكماً أو رئيساً للدّولة".
ويقول الشيخ في الخلاف: "لا يجوز أن تكون المرأة قاضيةً في شيءٍ من الأحكام، وبه قال الشافعيّ، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون قاضيةً فيما يجوز أن تكون شاهدةً فيه، وهو جميع الأحكام إلا الحدود والقصاص، وقال ابن جرير: يجوز أن تكون قاضيةً في كل ما يجوز أن يكون الرَّجل قاضياً فيه، لأنَّها تعدّ من أهل الاجتهاد..".
على أنَّ القضاء -في نظر الإسلام- ليس مغنماً أو تشريفاً بل هو مسؤوليّةٌ وأمانة، وعدم إعطائه للمرأة ليس استنقاصاً ولا إهانة بل هو عين العدل والإنصاف واحترام واقعها النفسي والجسدي.

سعة القواميّة أو ضيقها؟ القواميّة أم القيمومة؟

هل القوامة في الآية خاصة بالأزواج على الزوجات -كما هو مورد الآية- أم هي قواميّة كلِّ الرِّجال على كلِّ النّساء؟ فهل هي مطلقة أم خاصّة؟ 
الجواب: تحتمل الآية الكريمة ـ بالنظرة الأولى ـ ثلاثة تفاسير:
التفسير الأوّل: هو قيمومة الرِّجال عامّة على النّساء عامّة.
التفسير الثاني: قيمومة الرِّجال على النّساء في أيَّة علاقة مشتركة بينهم، كعلاقة الحياة الزوجيّة، والعلاقة في الأعمال المشتركة بين الرِّجال والنّساء، ومن ذلك علاقة الولاية والإدارة، فيكون للرجال في كل هذه العلاقات موقع القيمومة على النّساء .
التفسير الثالث: أن تختص هذه القيمومة بالحياة الزوجيّة فقط، فيكون للرجال حقّ القيمومة على النّساء في مساحةٍ محدودةٍ من الحياة الزوجيّة، وليس في كلّ هذه المساحة بالضرورة.
ولا نتصوّر للآية الكريمة تفسيراً رابعاً، والأوّل لم يقل به قائل، وأما الثاني والثالث فقد وقع الخلاف بين الأعلام بينهما:
مؤيّدوا التفسير الثاني: الآية عامّة
 1. صاحب الميزان السيّد الطباطبائيّ: ذهب إلى أنَّ القوامة عامّة حتى لخارج الأسرة، وليست خاصّة بها حيث قال: "وعموم هذه العلّة يعطي أن الحكم المبني عليها أعني قوله: {الرِّجال قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} غير مقصورٍ على الأزواج بأن يختصّ القوامية بالرَّجل على زوجته بل الحكم مجعولٌ لقبيل الرِّجال على قبيل النّساء في الجهات العامّة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعا فالجهات العامّة الاجتماعيّة التي ترتبط بفضل الرِّجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلا اللّتين يتوقّف عليهما حياة المجتمع، إنما يقومان بالتعقّل الذي هو في الرِّجال بالطبع أزيد منه في النّساء، وكذا الدفاع الحربيّ الذي يرتبط بالشدّة وقوّة التعقّل كلّ ذلك مما يقوم به الرِّجال على النّساء"، وإلّا لقال: الرِّجال قَوَّامونَ عَلَى نِسائِهِمْ.
 2. ووافقه السيد الگلبايگاني بقوله: "وهل يجوز أن لا تكون المرأة ذات سلطنة في شئونها مع زوجها وتكون لها السلطنة في خارج دارها، وعلى غير زوجها من الرِّجال؟
وإن قيل: الآية المباركة تنفي ولاية النّساء على الرِّجال، وأي مانعٍ من ولاية المرأة على النّساء؟ فإنّه يقال: بأنّ ذلك مقتضى الإجماع المركّب".
مؤيّدوا التفسير الثالث: الآية خاصّة
1. السيّد الحائريّ: "إنَّ القواميّة في الإسلام ليست ثابتةً في الإسلام لجنس الذكر على جنس الأنثى، ولذا لا قواميّة للأخ على الأخت مثلاً، وإنمّا هي ثابتةٌ في خصوص الحياة العائليّة للزوج على الزوجة..".
2. الشيخ المنتظريّ: "شأن النّزول وكذا السياق شاهدان على أنَّ المراد قيمومة الرِّجال بالنّسبة إلى أزواجهم؛ إذ لا يمكن الالتزام بأنّ كلّ رجلٍ بمقتضى عقله الذاتي، وبمقتضى إنفاقه على زوجته له قيمومة على جميع النّساء حتى الأجنبيّات، بل إنَّ صرف الشكّ والاحتمال يكفي في عدم صحّة الاستدلال".
3. الشيخ مغنية: "المراد بالرِّجال هنا خصوص الأزواج، وبالنّساء خصوص الزوجات، وليس المراد بالقيام على المرأة السلطة المطلقة، بحيث يكون الزوج رئيساً دكتاتوريّاً، والزوجة مرؤوسةً له، لا إرادة لها معه، ولا اختيار، بل المراد أن له عليها نحواً من الولاية، وقد حدّد الفقهاء هذه الولاية".
4. الشيخ الفضليّ: "فالمراد من الرِّجال -هنا- الأزواج، ومن النّساء الزوجات. فلا نظر للآية ولا شموليّة فيها لكلّ الرِّجال مطلقاً، وكلّ النّساء مطلقاً حتى ندخل رئيس الدّولة في همومها، ونحكم له بالقيمومة أو الولاية على المرأة.. ونخلص من كل ذلك إلى أنَّ القواميّة غير القيمومة، وأنَّ الآية الكريمة لا إطلاق فيها ولا عموم".
5. الشيخ الآصفيّ: بعد أن فنّد الرأي الآخر بقوله: "لا يصحّ بالتأكيد، ولم يقل به فقيه، ومعنى هذا التفسير إن صحَّ ـ أن يكون الرِّجال هم القوّامين على النّساء في كلّ علاقة مشتركة بين الجنسين، فإذا اشترك رجلٌ وامرأةٌ في تجارةٍ كان للرجل حقّ القيمومة، ولا يجوز لامرأةٍ أن تستخدم رجلاً أو تستأجره لعمل من الأعمال؛ لأنّها تمارس بذلك نوعاً من القيمومة على الرَّجل في هذه العلاقة المشتركة، وهذا ما لا يمكن أن يقول به فقيه على الإطلاق" وبذلك يتعين عنده التفسير الثالث.

باب الإرث:

التطبيق السابع: وجه التفاوت في الإرث بين الرَّجل والمرأة

من المسائل الواضحة في الأحكام القرآنيّة الفقهيّة هي التفاوت في الإرث بين سهميّ الرَّجل والمرأة في بعض الحالات، وقد كان ولا يزال ذلك مورداً للتساؤل، وقد سُئل الأئمّةi ، وكانت هذه الآية هي حلّ لغز التفاوت بين إرثيهما، ومن الروايات في ذلك: ما كَتَبَه الإمام الرِّضَاg إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فِيمَا كَتَبَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ: «عِلَّةُ إِعْطَاءِ النِّسَاءِ نِصْفَ مَا يُعْطَى الرِّجال مِنَ الْمِيرَاثِ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ أَخَذَتْ، وَالرَّجل يُعْطِي، فَلِذَلِكَ وُفِّرَ عَلَى الرِّجال.. وَعِلَّةٌ أُخْرَى فِي إِعْطَاءِ الذَّكَرِ مِثْلَيْ مَا تُعْطَى الْأُنْثَى لِأَنَّ الْأُنْثَى فِي عِيَالِ الذَّكَرِ إِنِ احْتَاجَتْ، وعَلَيْهِ أَنْ يَعُولَهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَعُولَ الرَّجل، وَلَا تُؤْخَذُ بِنَفَقَتِهِ إِنِ احْتَاجَ، فَوُفِّرَ عَلَى الرَّجل لِذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِa: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ وبِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِم}».
بتقريب: إنَّ هذا التفاوت لا ينطلق من نقص إنسانيّة المرأة مقارنةً بالرَّجل، بل من توازن الحقوق والواجبات؛ فإنَّ الإسلام حيث فرض على الزوج المهر والنفقة للزوجة أراد أن يجبر هذا التكليف ويعوّض عنه عن طريق الإرث وتقليل سهم المرأة عن سهم الرَّجل.

باب الطلاق:

التطبيق الثامن: عدم وقوع الطلاق من المرأة

إنَّ أوضح تطبيقات الآية الكريمة -ومعنى القوامة- هي كون الآية ظاهرة في إثبات كون الطلاق بيد الرَّجل، وبها استدلّ علماء الفريقين على ذلك، يقول الشيخ مغنية في ذيل تفسير آية القوامة: "بل المراد أن له عليها نحواً من الولاية، وقد حدّد الفقهاء هذه الولاية بجعل الطلاق بيد الزوج، وأن تطيعه في الفراش، ولا تخرج إلا بإذنه، وهما فيما عدا ذلك سواء: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}".
وهو ما يستفاد من الروايات الشريفة التي منها: عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وأَحْمَدَ ابْنَيِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍg رَجُلٌ وأَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، قَالَg: «أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} لَيْسَ هَذَا بِشَيْ‌ءٍ..».

الحكومة والقيادة السياسيّة:

التطبيق التاسع: الولاء والسياسة

قال في کنز العرفان: "{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} أي لهم عليهنّ قيام الولايّة والسّياسة".
وقال ابن شهرآشوب: "قوله سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} فيه دلالة على أنّ الإمامة لا تصلح إلا في الرِّجال دون النّساء، وكذلك حكم النبوّة قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} لأنَّ الشكل إلى شكله آنس والأنفة منه أبعد".
وممّا يستدلّ به أيضاً على أنّ الولاية العامّة في المجتمع كولاية الفقيه تكون للرجل دون المرأة قوله تعالى: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ} فإنّه يدلّ على أنَّ كلَّ فاضلٍ قوّام على مفضوله فإنّ الآية الشّريفة وإن كان في مقام قيمومة الرِّجال على النّساء، ولكن من عموم التعليل (بما فضّل الله) يستفاد أنَّ كلّ من فضّله الله تعالى فهو قيّم على مفضوله.
وقد ثبت وجوب متابعة كلّ مفضول عن الفاضل في كلّ صنف من الأصناف، فكلّ من كان أعلم من غيره في كلِّ شأن من الشؤون فهو مقدّم على غيره عقلاً وشرعاً بل وعرفاً.
قال الزمخشريّ في الكشّاف: وفيه [أي في التفضيل في آية القوامة] دليل على أنّ الولاية إنّما تستحق بالفضل لا بالتغليب والاستطالة والقهر. وعلّق عليه الفاضل الكاظميّ في مسالك الأفهام قائلاً: هذا مما أجراه الله على لسانه، فإنا لم نجد فيمن تقدَّم على عليg بعد النبيe فضيلة يستحق بها الولاية كما عرف في محله.
يقول الراغب الأصفهانيّ في تفسيره: "بيّن تعالى أن السيّاسة للرجل دون المرأة"، "وأنّ لكلّ واحد من الرَّجل والمرأة فضيلتين: إحداهما: تسخيرٌ من اللّه تعالى، والأخرى من كسبه، فإحدى فضيلتي الرَّجل: ما خصّه به من علوّه على المرأة، والثانية: بإنفاق المال، وإحدى فضيلتي المرأة: قيامها بما يلزمها من طاعة الأزواج، وحفظ غيبهم، وتحصين ما سلّموه إليهنّ، والثانية: إسبال اللّه ستر رحمته عليها وحفظها بوصيّة الزوج بها، وتسخيره للقيام بمراعاتها".
ومما يدلّ عليه في الرّوايات ما ورد أنَّ الإمام الْحَسَن بْن عَلِيٍّg قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ مَا تَكْفِيكُمْ جُمْلَتُهُ، وَقَدْ أَتَيْنَاكُمْ مُسْتَنْفِرِينَ لَكُمْ، لِأَنَّكُمْ جَبْهَةُ الْأَمْصَارِ، وَرُؤَسَاءُ الْعَرَبِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ نَقْضِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بَيْعَتَهُمَا وَخُرُوجَهُمَا بِعَائِشَةَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، وَهُوَ ضَعْفُ النِّسَاءِ، وضَعْفُ رَأْيِهِنَّ، وَقَدْ قَالَ اللهُ (تَعَالَى): {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ}».

الخاتمة

رغم قصر الآية وقلّة مفرداتها إلا أنَّها من أمّهات آيات الأحكام التي تطال أبعاداً كثيرة في الأحكام الفقهية، وقد اكتشفت أنَّ آية القوامة قوام أبحاث فقهيّة وقرآنيّة واجتماعيّة وسياسيّة كثيرة، فالقوامة ركنٌ أساس في بناء الأسرة وتماسك أواصرها، وكذلك ركنٌ مهمٌ في حفظ النّظام العامّ في المجتمع ومصالح النّاس وإرساء قواعد العدل الاجتماعي والسياسيّ.
وقد وجدنا خلال البحث أنَّ الإسلام ينظر إلى الأبعاد المختلفة في وجود الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- ويراعي ذلك في أحكامه وقوانينه، فالاختلاف التكوينيّ على المستويين الجسديّ والنفسيّ بين الرَّجل والمرأة مأخوذٌ بعين الاعتبار في جميع أحكام الدّين وتعاليمه، ومن أبرز الشواهد على ذلك الآيات القرآنيّة، ومن أهمّ نماذج الآيات هي آية البحث قوله تعالى: {الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ}، حيث تبني على وجود اختلاف تكويني بينهما في البعد الجسديّ والنفسيّ، وحيث إنَّ هذا الاختلاف موجود فلا بدَّ من أن يكون الرِّجال قوّامين على النّساء، ولهذا فإنَّ الحاجة لهذه القيوميّة تنتفي متى أصبحت المرأة مشابهة للرجل في البعد التكوينيّ والنفسيّ.
وإنَّ من أهمّ ثمرات هذا البحث التي استفدتها خلال البحث هي أنَّ آيات الأحكام رغم محاولات حصرها وبحثها إلا أنّها لا زالت تحتاج إلى مزيدٍ من التحليل والبحث والتحقيق.
ولهذا فإنّ مجال الإبداع في الأبحاث القرآنية وخصوصاً آيات الأحكام واسع ومفتوح، لذا أدعو لتوسعة دائرة هذه الأبحاث أكثر وأكثر.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا