قضية فدك

قضية فدك

فدك : هي إحدى القرى المثمرة تقع في أطراف المدينة المنورة ( في الحجاز )، وتبعد عن المدينة المنورة يومين وقيل ثلاثة أيام وهي أرض يهودية لبني النضير.

كيف جعلت فدك لرسول الله(ص) :

في السنة السابعة هجريا حصلت غزوة خيبر وبان نصر المسلمين على يد من يحبه الله ورسوله وهو علي بن أبي طالب(ع).

كما قال النبي(ص) : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار لا فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه.

فبات الناس يتفكرون حول الرجل المتصف بهذه الصفات، المقصود بكلام رسول الله(ص) وكان الإمام علي(ع) غائبا في تلك الغزوة بسبب مرض أصاب عينه (مرض الرمد) بحيث منعه عن الإبصار.

أصبح الصباح وخرج رسول الله(ص) بالراية، وأقبل الناس إلى النبي ليعرفوا الرجل الذي يستحق أن يكون حاملا لراية الإسلام وفاتحا  لحصون اليهود ؟ فقال النبي (ص) : أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه، فقال: أرسلوا إليه.

فجاؤوا به على بغلة وعينه معصوبة بخرقة، فأخذ  سلمة بن الأكوع بيده وأتى به إلى النبي (ص).

فقال النبي :  ما تشتكي يا علي؟

قال: رمد ما أبصر معه، و صداع برأسي.

فقال النبي:  اجلس وضع رأسك على فخذي.

ففعل علي ذلك،  فدعا له النبي(ص) وتفل في يده فمسح بها على عينيه ورأسه فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع.

وقال النبي: اللهم قه الحر والبرد. 

وأعطاه الراية وكانت بيضاء.

فقال له: خذ الراية وامض بها، فجبرائيل معك، والنصر أمامك والرعب مبثوث في صدور القوم،  واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم: أن الذي يدمر عليهم اسمه: (إيليا) فإذا لقيتهم فقل: أنا علي،  فإنهم يخذلون إن شاء الله،  فكما قال رسول الله (ص) لأمينه أمير المؤمنين(ع) فقد انتصر عليهم بمواقفه الإلهية ومن أراد التفصيل فليطلبه من الكتب الخاصة(1).

عرضنا قصة غزوة خيبر التي تبعث على الفخر والاعتزاز لما فيها من الانتصار العظيم، لأنها تتعلق بقصة فدك فهي مدخل إلى قضيتنا الرئيسة.

وعندما وصل الخبر إلى أهل فدك دخل الرعب والخوف في قلوبهم فسارعوا بإرسال رسول منهم إلى رسول الله (ص) بأن يعطوا الرسول نصف فدك. وقيل بل كلها.

لقد تم عرض مقدمة قصيرة مفيدة لإطلاع القارئ العزيز من بدايات القصة.

* لا يخفى عليك أن القرآن الكريم قد أعطانا قاعدة ترتبط بهذا المورد أي حكم الغنائم التي تكون ملكا خاصا للرسول الأكرم(ص) وهي الآية الكريم {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ }(2).

سنعرض لكم معاني كلمات هذه الآية بحيث يتضح لنا المعنى المراد:

(أفاء) : من مادة (فئ) على وزن شيءـ وهي في الأصل بمعنى الرجوع.

( أوجفتم ): من مادة ( إيجاف ) بمعنى السوق السريع الذي يحدث غالبا في الحروب.

( خيل ) : بمعناه المتعارف عليه  وهي اسم جنس وجمعها خيول.

(ركاب) : من مادة (ركوب) وتطلق في الغالب على ركوب الجمال.

 يتضح لنا من مجموع الآية أن جميع الموارد التي لم تحدث فيها القتال وتوجد فيها الغنائم فإنها لا توزع بين المقاتلين بل توضع تحت يد القائد العام وهو رسول الله(ص) كما أشارت الآية الكريمة.

إذن فدك ملك رسول الله(ص) وهي مما أفاء الله تعالى على رسوله (ص) في السنة السابعة صلحا، لأنها لم يوجف عليها بخيل وركاب فصارت كلها ملكا خاصا.

 

كيفية انتقال فدك إلى السيدة فاطمة الزهراء (ع):

 من هي السيدة فاطمة الزهراء (ع) ؟

 هي كما قال الشاعر:

شعت فلا الشمس تحكيها ولا القمر                  زهراء من نورها الأكوان تزدهر

بنت الخلود لها الأجيال خاشعة                       أم الزمان إليها تنتمي العصر

مجبولة من جلال الله طينتها                          يرف لطفا عليها الصون والخفر

ما عاب مفخرها التأنيث إن بها                       على الرجال نساء الأرض تفتخر

حوت خلال رسول الله أجمعها                       لولا الرسالة ساوى أصله الثمر

قل للذي راح يخفي فضلها حسدا                     وجه الحقيقة عنا كيف ينستر

أتقرن النور بالظلماء من سفه                         ما أنت في القول إلا كاذب أشر

بنت النبي الذي لولا هدايته                            ما كان للحق لا عين ولا أثر

هي التي ورثت حقا مفاخره                           والعطر فيه الذي في الورد مدخر

تزوجت في السما بالمرتضى شرفا                  والشمس يقرنها في الرتبة القمر

على النبوة أضفت في مراتبها             فضل الولاية لا تبقي ولا تذر

أم الأئمة من طوعا لرغبتهم                           يعلو القضاء بنا أو ينزل القدر(3)

 

 

هذه أبيات  تكلمت عن السيدة الزهراء لتبين مكانتها من نافذة الشعر،  ونسبها الكريم الذي لا يضاهيه نسب :

الأب :

أبو الزهراء ؛ هو سيد الكائنات وأشرف المخلوقات النبي الأكرم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء الذي فتح آفاق العلم والنور، الذي غير تاريخ العرب الجهلاء؛ بعبارة واضحة هو نبي الله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى.

الأم :

وأما أمها فهي خديجة بنت خويلد الطاهرة التي تسمى سيدة نساء قريش في الجاهلية، وأم المؤمنين في الإسلام، ذات الشرف الأصيل، تجتمع مع النبي في جدها الثالث، وهو الجد الرابع للنبي (ص) وهو "قصي" و ينتهي النسب إلى إبراهيم شيخ الأنبياء(ع).

الزهراء:

هي أم سيدي شباب أهل الجنة اللذين انحصر فيهما نسب الرسول الأكرم(ص)، هي الصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والرضية والمحدثة والبتول والزهراء، هذا من ألقابها.

وهذه الأسماء من الله تبارك وتعالى، فلكل اسم علة لتسميتها به، ولسنا في مقام ذكر عللها.

وأما كنيتها "أم أبيها" كنيت بذلك لعظيم حنانها وشفقتها على أبيها رسول الله(ص).

 أم الحسنين: كُنّيت بأم الحسنين، وهما سبطا رسول الله(ص) وسيدي شباب أهل الجنة.

 أم الحسن: وهو نجلها الأكبر الإمام الزكي الحسن(ع).

 أم الحسين: وهو نجلها الثاني محيي الإسلام، ومنقذ المسلمين، وأبي الأحرار الإمام الحسين(ع).

وبعد هذه المقدمات التي تعرفنا من خلالها على سيدتنا فاطمة الزهراء (ع) ندخل في كيفية انتقال فدك إليها.

قد ذكر لنا التأريخ الإسلامي والقرآن الكريم أنه حينما رجع رسول الله(ص) إلى المدينة المنورة نزل جبرائيل من عند الرب الجليل بالآية المباركة: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}(4).

أو الآية المباركة: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}(5).

والشاهد في الآيتين هو قوله: (وآت ذا القربى حقه )، فانشغل فكر رسول الله(ص)، من هم؟ وما حقهم؟ فنزل جبرائيل ثانيا عليه(ص) وقال: إن الله سبحانه يأمرك أن تعطي فدكا لفاطمة(ع)، فطلب النبي(ص) ابنته فاطمة(ع) وقال: إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فمنحها وتصرفت هي فيها وأخذت حاصلها فكانت تنفقها على المساكين.

وهذا الكلام قد ورد في كتب التفسير لأهل السنة: كالثعلبي في تفسير كشف البيان، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور: ج4، رواه عن الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المتوفى في عام 352، وأبو القاسم الحاكم الحسكاني والمتقي الهندي في كنز العمال وابن كثير الدمشقي الفقيه الشافعي في تاريخه والشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة (باب 39) نقلا عن الثعلبي وعن جمع الفوائد وعيون الأخبار أنه لما نزلت: (وآت ذا القربى حقه)  دعا النبي (ص) فاطمة فأعطاها فدك الكبير.

طريق إثبات حق السيدة الزهراء(ع):

الطريق الأول الذي يثبت حق السيدة الزهراء(ع) هو طريق السنة الشريفة كما أسلفنا ذكره.

الطريق الثاني الذي يثبت حق السيدة الزهراء(ع) هو طريق التأريخ كما أشار القرآن الكريم بأهمية التأريخ.

وأما الطريق الثالث لإثبات فدك للسيدة الزهراء(ع) فهو عن طريق الإرث بالنسب، حيث أنه من الواضح كوضوح الشمس أن السيدة الزهراء (ع) الوارث الشرعي الوحيد لرسول الله(ص) على رأي الإمامية، لأن الزوجة لا ترث الأرض "الأموال غير المنقولة".

وهناك موقف من أحد خلفاء آل أمية قام به حيث دل على أحقية السيدة الزهراء(ع) بفدك عندما ردها على أهلها.

كما ذكر في تاريخ الطبري : 4/ 112، مغازي الواقدي: 2/ 707، تاريخ المدينة المنورة : 1 / 195،  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 16/ 210، وغيرها.

مأساة الزهراء (ع) في فدك :

بعدما عرضنا للقارئ العزيز قصة انتقال فدك أو أحقية الزهراء في فدك، حصل ما لم يتوقع حصوله في الزمان المتغير لأجل بعض أمور دنيوية أو إطاعة من لا ينبغي أن يطاع ولكم هذه القضية المؤلمة.

على الطريق الأول الذي عُرض وهو كون فدك نحلة من الرسول الأكرم(ص) إلى ابنته السيدة الزهراء(ع) في حال حياته بأمر من الله (عزوجل)، فتصرفت السيدة الزهراء(ع) فيها فبعثت عمالها ليعملوا، وكانوا يأتون إليها بحاصلها في حياة الرسول الأكرم (ص) وهي كانت تنفق على نفسها وعيالها أو تتصدق به على الفقراء والمعوزين، ولكن بعد وفاة النبي الأكرم(ص) أرسل أبو بكر جماعة فأخرجوا عمال فاطمة من فدك وغصبوها وتصرفوا فيها. ذكر الطبرسي في الاحتجاج: فجاءت فاطمة(ع) إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله(ص) ؟  وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله(ص) بأمر الله تعالى؟

لعل السيدة الزهراء(ع) ذكرت هذا لأنها رأت أبا بكر لم يعمل بقاعدة اليد التي قد حصلت عبر طريق النحلة. 

فقال: هاتي على ذلك بشهود، فجاءت أم أيمن فقالت: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله(ص)، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة؟

فقال: بلى.

قالت: فاشهد أن الله (عز وجل) أوحى إلى رسول الله(ص) : ( آت ذا القربى حقه)، فجعل فدك لها طعمة بأمر الله تعالى.

فجاء علي(ع) فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟

فقال: إن فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي، فكتبته لها. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة، فتفل فيه فمزقه، فخرجت فاطمة(ع) تبكي. وفي سيرة الحلبي أن عمر أخذ الكتاب فشقه(6).

الرواية المذكورة تشير إلى نحلة الرسول الأكرم (ص) للسيدة فاطمة الزهراء(ع).

وروي عن الإمام الصادق(ع) أن السيدة فاطمة(ع) جاءت إلى أبي بكر بأمر من الإمام أمير المؤمنين(ع) وقالت له: ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته، وجلست مجلسه، ولو كانت فدك لك واستوهبتها منك لوجب عليك ردها علي.

فقال: صدقت.

ودعا بكتاب فكتب فيه بإرجاع فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟

قالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك.

فقال: هلميه إلي.

فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله.. فلطمها، ثم أخذ الكتاب فخرقه(7).

ويكفي ما ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة في الباب الثاني إن أبا بكر انتزع من فاطمة فدكا... إلى آخر كلام ابن حجر.

ومعنى هذا أن فدكا كانت في يد السيدة الزهراء(ع) من عهد أبيها الرسول الأكرم(ص) فانتزعها أبو بكر منها.

ويلاحظ من مجمل الروايات ما يلي:

1ـ  طلب أبي بكر من بضعة رسول الله(ص) إقامة البينة وهي صاحبة اليد مخالف لضرورات الفقه الإسلامي، بل تجب عليه هو إقامة البينة لأنه مدعي.

2ـ  يستلزم من كلام أبي بكر وفعل عمر أن النبي الأكرم(ص) لم يعمل بالحكم الشرعي عندما أعطى فاطمة الزهراء (ع) فدكا.

3ـ  ذكر أبي بكر الحديث الذي يقول فيه أن الأنبياء لا يورثون يصطدم مع آيات عدة في القرآن الكريم.

حصلت هذه الأمور لأسباب كثيرة يستطيع القارئ استنتاجها أو استنتاج بعضها بعد الإطلاع.

احتجاج أمير المؤمنين(ع)  على الأول:

جاء علي(ع) إلى أبي بكر وهو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (ص) وقد ملكته في حياة رسول الله؟

فقال أبو بكر : هذا فئ للمسلمين،  فإن أقامت شهوداً أن رسول الله جعله لها،  و إلا فلا حق لها فيه !

فقال علي(ع) : يا أبا بكر تحكم بيننا بخلاف حكم الله في المسلمين؟

قال : لا.

قال(ع) :  فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه فادعيت أنا فيه من تسأل البينة ؟

قال : إياك أسأل.

قال(ع) فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يديها، وقد ملكته في حياة رسول الله و بعده، ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم ؟؟

فسكت أبو بكر فقال: يا علي دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجتك،  فإن أتيت بشهود عدول، وإلا فهي فئ للمسلمين، لا حق لك ولا لفاطمة فيه.

فقال علي(ع): يا أبا بكر تقرأ كتاب الله ؟

فقال : نعم.

قال: اخبرني عن قول الله (عزوجل):{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا} فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا ؟

قال: بل فيكم !

قال: فلو أن شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول الله(ص) بفاحشة ما كنت صانعا بها ؟

 قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على نساء المسلمين !!!

قال علي(ع) : كنت إذن عند الله من الكافرين !

قال: و لم ؟

قال :  لأنك رددت شهادة الله بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها،  كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وزعمت أنها فئ للمسلمين وقد قال رسول الله(ص): البينة على المدعي، واليمين على من ادعي عليه. قال: فدمدم الناس، وأنكر بعضهم بعضا، وقالوا صدق والله علي."انتهت"

وأيضا، روى العلامة في كشكوله عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: لما قام أبو بكر بن أبي قحافة بالأمر نادى مناديه: من كان له عند رسول الله دين أو عدة فليأتني حتى أقضيه.

و جاء جابر بن عبد الله و جرير بن عبد الله البجلي، وادعى كل منهما على رسول الله(ص) فأنجز أبو بكر لهما.

فجاءت فاطمة إلى أبي بكر تطالب بفدك و الخمس و الفيء فقال: هاتي بينة يا بنت رسول الله. فاحتجت فاطمة(ع) بالآيات وقالت: قد صدقتم جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله البجلي و لم تسألوهما البينة، و بينتي في كتاب الله.

أتت السيدة فاطمة الزهراء بالبينة وهم علي و الحسن والحسين وأم أيمن،  ولكن لم يقبلوا الشهود كما مر سابقا ولهذا السبب التجأت لإثبات حقها عن طريق الإرث، ولكن القوم واجهوها بحديث مبتدع وموضوع  قد اصطدم بآيات القرآن، ألا وهو حديث (( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة، ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم)). وقد جاء هذا الحديث بعدة عبارات والشاهد فيه أن رسول الله لا يورث. وفي ما يلي نذكرالقصة بتافاصيلها..

 نقل ابن أبي الحديد(8)، عن أبي بكرالجوهري بإسناده عن طرق مختلفة تنتهي إلى زينب الكبرى بنت فاطمة الزهراء وإلى الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه(ع) وإلى الإمام الباقر أبي جعفر محمد بن علي(ع) وإلى عبد الله بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن السبط (ع)  قالوا جميعا : لما بلغ فاطمة(ع) إجماع أبي بكر على منعها فدكا، لاثت خمارها،  وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله(ص)، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء،  وقال بعضهم :  قبطية، وقالوا: قبطية بالكسر والضم ـ ثم أنت أنه أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم، ثم قالت: ابتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول والمجد، الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم،- إلى أن قالت في آخر خطبتها-  :  فاتقوا الله حق تقاته،  وأطيعوه فيما أمركم به،  فإنما يخشى الله من عباده العلماء، واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة. ونحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه.

ثم قالت:أنا فاطمة ابنة محمد، أقول عودا على بدء، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا، فاسمعوا باسماع واعية وقلوب راعية !

ثم قالت: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )، فان تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم... ثم ذكرت كلاماً طويلاً تقول في آخره :  ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي !  ( أفحكم الجاهلية يبغون،  ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )،أيها المسلمون، أأغلب على إرثي. يا بن أبي قحافة ! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي !  لقد جئت شيئا فريا ! إلى آخر خطبتها، وجاء في بعض الروايات كما في كتاب السقيفة و فدك لأبي بكر الجوهري و غيره، أنها قالت في خطبتها :

أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم !

إذ يقول الله جل ثناؤه : ( وورث سليمان داود )، واختص من خبر يحيى و زكريا إذ قال : ( رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا )، وقال الله تبارك وتعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )، أم يقولون أهل ملتين لا يتوارثان ؟  أولستُ أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي(ص) ؟ (أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ).

كما نرى في هذا العرض الذي قد تبينت فيه الفضائح التي ارتكبها البعض من وضع حديث ونسبته إلى الرسول الأكرم(ص) لإسقاط حق الطاهرة الزكية فاطمة الرضية بيت النبي الأكرم(ص)، ومن حسن الحظ أنهم عندما وضعوا الحديث قد غفلوا عن آيات المواريث التي قد جاءت في القرآن الكريم،  ومع كل هذا لم يعطوا الزهراء(ع) حقها.

من مستلزمات خطوات الأول:

1ـ عندما أخرج أبو بكر عمال السيدة الزهراء(ع) من فدك التي قد أثبت التاريخ ملكيتها لسيدة نساء العالمين ( الزهراء ) يستلزم من عمله هذا نسبة الخطأ للنبي الأكرم(ص) عندما أعطى ابنته فدكا، وبعبارة أوضح أن النبي لم يراع الحكم الشرعي، وهذا الاتهام يرد على كلام الله عز وجل (القرآن الكريم ) حيث يقول القرآن الكريم عن النبي(ص) {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(9).

2ـ عندما طلب أبو بكر الشهود من السيدة الزهراء(ع) استلزم من ذلك مخالفة لقاعدة شرعية واضحة عند جميع المسلمين ( قاعدة اليد ) و هي على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين، وطبعاً هذا الكلام لا ينطبق على السيدة الزهراء(ع)، وهذا الكلام ليس على نحو التعصب وإنما هو من الأمور التي أمرنا بها النبي الأكرم(ص) فهو الذي قال عنه القرآن الكريم  {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}(10).

3ـ عدم العمل بالقرآن الكريم من خلال الإتيان بحديث يتعارض معه، وكما علمنا الرسول الأكرم(ص) أن أي حديث يعارض القرآن يتحتم علينا أن لا نأخذه بل نضربه بعرض الحائط.

لكن لماذا قبلا ـ الزهراء و أمير المؤمنين(ص) ـ كل خطوات الأول غير الشرعية؟

الإمام علي و السيدة الزهراء لم يقبلا خطوات أبي بكر لأن كل الخطوات لم تكن شرعية بل من أولها كانت خلاف الشرع، وهي إخراج عمال الزهراء(ع) و لم يكن أمير المؤمنين و السيدة الزهراء(ص) قابلين. ولكن لماذا عندما طلب أبو بكر الشهود من السيدة الزهراء(ع) قبلت،  قد قبلت بإحضار الشهود من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، ومع هذا لم يطبق أبو بكر ما التزم به، أما بالنسبة لأمير المؤمنين(ع) فإنه لم يقبل كل ما جاء به أبو بكر من الخطوات،  بل ناقشه في الأفعال التي قد قام بها ضد السيدة الزهراء(ع) عندما حاججه وكان يبين لأبي بكر الآيات التي كانت تدخل فيها السيدة الزهراء(ع) مثل آية التطهير و غيرها.

 

لماذا لم يحارب أمير المؤمنين(ع) لاسترداد الحق؟؟

لا يخفى على القارئ أن أمير المؤمنين(ع) واجه أبا بكر بأدلة قرآنية وإما بالنسبة للمقاومة العسكرية فلم يقدم عليها بسبب حرصه على الإسلام، وأيضا الوضع السياسي والاجتماعي لم يكونا يسمحان لذلك.

أولا : لم يوجد الناصر والمعين للمواجهة، فالتكليف كان عدم المقاومة معهم،  هذا كما فعل رسول الله(ص) فقد صبر 13 عاما في مكة المكرمة، وفي المدينة المنورة عندما وجد الناصر والمعين قام الرسول الأكرم(ص).

ثانيا : لم تكن أرضية المدينة المنورة تتحمل الحرب لا من الداخل ولا من الخارج، فكان في الداخل المنافقون ينتظرون أية فرصة لينقضوا على المسلمين  وأما في الخارج فكان اليهود الموجودون في أطراف المدينة يتربصون للهجوم على المسلمين في أية لحظة للانتقام.

ثالثا : الإسلام كان جديد العهد فكانت الآثار السلبية هي الحاكمة على الوضع الاجتماعي، ولو اشتعلت الحرب لعادت عبادة الأصنام في مكة المكرمة، وأما بالنسبة لليمن كانت في بدأ اعتناقها للإسلام فلو كانت الحرب لانفصلت اليمن.

رابعا : كونوا على ثقة لو أن أهل البيت حملوا السلاح ضد الغاصبين لما بقي من أهل البيت أحد، فكان يوجد واجب آخر وهو الحفاظ عليهم.

على كل حال سيأتي اليوم الذي ستعود فيه كل حقوق أهل البيت (ع) وكذلك الأخذ بالثأر ممن ظلمهم.

ختاما، وبعد هذا العرض يخرج القارئ بالحقيقة على أن فدك كانت ملكا للسيدة الزهراء(ع) ولأولادها(ع).

 

* الهوامش:

(1) بتصرف.

(2) سورة الحشر: 7.

(3) للشاعر محمد جمال الهاشمي

(4) سورة الأسراء: 26.

(5) سورة الروم: 38.

(6)  سيرة الحلبي: ج3 ص391.

(7)  الاختصاص للشيخ المفيد، الشافي للسيد المرتضى ص236، تلخيص الشافي للطوسي ص48، وذكر ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان:ج1 ص268، والذهبي في ميزان الاعتدال: ج1 ص139.

(8)  شرح نهج البلاغة ج 16 / 211 / طبع دار إحياء التراث العربي

(9) سورة الحشر: 7.

(10) سورة النجم: 3- 4.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا