سيرة بني إسرائيل في القرآن الكريم (القسم الأوَّل)

سيرة بني إسرائيل في القرآن الكريم  (القسم الأوَّل)

الملخص:

تناول الكاتب في بحثه سيرة بني إسرائيل من خلال ما ذكره القرآن الكريم، وفي هذا القسم(الأوَّل) تعرِّض في ثلاثة فصول إلى التعريف ببني إسرائيل، وكثرة ذكرهم في القرآن الكريم، وفي الفصل الثاني ذكر بعض ما يتعلق بتاريخهم خصوصا في زمن نبي الله موسىg، وفي الفصل الثالث بيَّن بعض عقائدهم الفاسدة التي ذكرها القرآن الكريم([1]).

 

المقدِّمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم إلى يوم الدين.

القرآنُ الكريم كتابُ نور وهداية، ضمَّ بين جوانبه ما هو خير للناس أجمعين، وتنوعت أساليبه في الدعوة إلى اللهa، فمن أسلوب الموعظة والتذكير، إلى أسلوب التوعد والتهديد، فأسلوب القصة وذكر الأقوام السالفة، وكلُّ هذا رأفة بالناس ورحمة.

ومن الملاحظ في القرآن الكريم تركيزُه على بعض الأمور وتكرارها بشكلٍ ملفت للنَّظر، وهذا التركيزُ والتَكرارُ يعتبر دليلاً على أهمية ذلك الموضوع في نظر القرآن، فيكون من المهمِّ دراسة هذا الموضوع من قبل المؤمنين المهتمين بالقرآن الكريم؛ لأنَّ القرآنَ يريد من هذا التركيز أنْ يوصلَ رسالة إلى الناس، وما لم يُدرس ويُتمعن في هذا الموضوع فلن تصلَ رسالةُ القرآن ولن تُفهم بالشكل الصحيح.

ومنْ بينِ تلك الأمور التي ركَّز عليها القرآنُ هي سرد أحوال الأمم السابقة، ولكنْ أكثرُ أمَّةٍ ركَّز عليها وكرَّرَ مواقفَها هي أمَّة بني إسرائيل، وهذا ما يدعونا لدراسة سيرتهم وأحوالهم؛ لنعرفَ ما يريده القرآن من ذلك.

ومن الطبيعي أنَّ دراسةَ كلِّ ذلك يحتاج إلى أنسٍ بالقرآن ومعرفة عميقة به، وأنَّ استيعاب كلِّ ما يريد القرآنُ أنْ يوصلَه إلينا ليس في متناول اليد، ولا يسعه هذا البحث القصير المتواضع، ولكنْ لا يسقط الميسور بالمعسور، فهذا البحث ليس إلا مقدِّمة في هذا الطريق، ولم نستوعبْ فيه كلَّ ما ذكره القرآن الكريم حول بني إسرائيل، ولم نستغرق كثيراً في تحليل الآيات الكريمة، رغم أنَّ ذلك أهمُّ أمرٍ لمعرفة الرسالة القرآنية التي يريد إيصالها؛ وذلك لقصور الباع، والخشية من الوقوع في المحذور من تحميل القرآن لآراء الرجال.

وهو في ضمن خمسة فصول وخاتمة:

الفصل الأوَّل: (بنو إسرائيل في القرآن الكريم)

وردت كلمة >بني إسرائيل< في القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة، من بينها أربع مواضع فيها خطاب مباشر من اللهa: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}([2])، بالإضافة إلى ذكر (أهل الكتاب) أكثر من ثلاثين مرَّة وهي تشمل بني إسرائيل، إلى جانب القصص التي تضمَّنتْ بعض الوقائع والأحداث التي جرت معهم. 

1. فمن هم بنو إسرائيل؟  

ذكرت المصادر أنَّ إسرائيل هو نبي الله يعقوبg، وذُكِرَ بهذا الاسم مرتين في القرآن أحدها في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران:93)، فقد ورد عن الصادقg أنَّ إسرائيل في الآية هو يعقوبg([4])، والثانية في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ}(مريم:58).

وإسرائيل كلمة عبرانية ذكر لها عدَّة معانٍ، منها أنَّ (إسرا) بمعنى عبد و(ئيل) هو الله كما عن الصادقg، فمعنى إسرائيل هو (عبد الله)، ومعنى آخر هو (قوة الله)([6])، وثالثا عن الباقرg أنَّ (إسرائيل الله) يعني خالص الله([7]). 

فبنو إسرائيل هم بنو يعقوبg وذريته التي تكاثرت بعده، ومن المعروف أنَّ ليعقوبg أحد عشر ابنا غير يوسفg الذي كان هو النبي الوحيد من بينهم، وقد تحدَّث القرآنُ عنهم وعمَّا فعلوه بيوسفg بشكل مفصَّل في سورة يوسف، حيث ارتكبوا جريمة كبرى بحقِّ أخيهم يوسف، وخالفوا أباهم النبي المعصوم، وخاطبوه بكلمات لا تليق بأن يخاطب بها شخصٌ عاديٌ فضلا عن نبيٍّ مرسل، وفي الحديث سئل الصادقg: >أكان إخوة يوسف أنبياء؟ قال: لا، ولا بررة أتقياء، وكيف؟ وهم يقولون لأبيهم تالله إنَّك لفي ضلالك القديم<([8]). 

وفي بعض الأخبار أنَّهم أنبياء، ولكن هذا مخالف لما ثبت في محله أنَّ النبيَّ معصومٌ قبل وبعد البعثة، وهؤلاء صدر منهم ما يخالف العصمة، يقول العلامة المجلسي: "قال كثير من المفسِّرين: إنَّهم كانوا أنبياء، والذي يقتضي مذهبنا أنَّهم لم يكونوا أنبياء بأجمعهم لعدم عصمتهم لمَّا فعلوا بيوسف"([9]).

ومن أبناء يعقوب بما فيهم النبي يوسفg تناسل بنو إسرائيل وكثروا، وبقوا في أرض مصر حتى بُعِثَ لهم نبيُّ اللهِ موسىg، فكان دينهم دين موسىg، ثمَّ بعث لهم نبي الله عيسىg بدين ينسخ به دين موسىg، ولكنَّهم حاربوه، وهناك فئة آمنوا به، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}(الصَّف:6)، وفي آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}(الصَّف:14)، فبنو إسرائيل هم اليهود وطائفة من النصارى.

2. كثرة ذكرهم في القرآن:

وعلى كلِّ حال فقد كثُرَ ذكرُ بني إسرائيل في القرآن الكريم في سور كثيرة وآيات عديدة تعدُّ بالعشرات أو أكثر([11])، وجاء ذكرهم في ظروف مختلفة ومواضيع متنوعة، تارة بمخاطبتهم مباشرة، وأخرى بذكر تاريخهم وجرائمهم، وثالثة بتحذير المسلمين منهم.

وكثرة ذكرهم في الكتاب العزيز يمكن أن نذكر له احتمالات كثيرة:

منها: أنَّ الرسول الأعظمe بُعِثَ لجميع الناس ومنهم بنو إسرائيل، فكما توجد آيات كثيرة تخاطب مشركي مكة وتتحدَّثُ عنهم، فكذلك بنو إسرائيل، فوظيفة النبيe هي تعليمهم ودعوتهم إلى الدين الحق، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}(النّمل:76-77). 

ومنها: تذكيرهم بما أعطاهم الله تعالى من النعم كما ورد في آيات عديدة، وتحذيرهم من العقاب حال الكفر كما جرى لآبائهم، قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى * كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}(طه:80-81).

ومنها: أخذ العبرة والدروس، وتحذير المسلمين من هذه الفئة الخطيرة التي كانت تتربص بالمسلمين شراً، كما ورد في بعض الآيات والروايات، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة:82)، وقد جاء عن النبيe أنَّه قال: >لتتبعنَّ سنن من قبلكم؛ شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لتبعْتموهم<، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: >فمن<([15]).

ومنها: بيان الحقيقة المخفية والتاريخ الأسود لليهود، فهم يحاولون أنْ يظهروا أنفسهم أنَّهم أفضل الأمم، فلولا بيان القرآن لحالهم لشوَّهوا التاريخ أكثر ممَّا فعلوه.

وذَكَرَ العلامة الطباطبائيN وجهاً آخرَ لكثرة ذكر بني إسرائيل، وهو الشبه بين سيرتهم وكفرهم وبين المشركين زمن النبيe، يقولN: "وبنو إسرائيل أكثر الأمم لجاجاً وخصاماً، وأبعدهم من الانقياد للحقِّ، كما أنَّه كان كفار العرب الذين ابتلى بهم رسول اللهe على هذه الصِّفة، فقد آل الأمر إلى أن نزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}(البقرة:6)، ولا ترى رذيلة من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم ممَّا ذكره القرآن إلا وهو موجود فيهم"([16]).

3. تعامل القرآن معهم:

القرآن الكريم خاطب بني إسرائيل في آيات متعدِّدة، ولا يخلوا بعضها من الرأفة والرحمة؛ إذ إنَّ الرسولe وهو الذي جاء بهذا القرآن قد بُعِثَ رحمةً للعالمين، يقول تعالى مخاطباً بني إسرائيل: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة:47)، فهذا الأسلوب من الخطاب فيه كثيرٌ من الشفقة والرحمة، خصوصاً وأنَّ المتكلِّم معهم مباشرةً هو الله a. 

والقرآن الكريم الذي هو كتاب هداية، يتعامل مع كلِّ إنسان وكلِّ قوم بما يستحقُّون، فإنْ كانوا أهلاً للثناء أثنى عليهم، وإنْ كانوا أهلاً للذمِّ ذمَّهم، ولا يجوز على القرآن أنْ يذمَّ الصالحين المؤمنين فيظلمهم، ولا أنْ يمدح الطالحين المنحرفين فيغري بهم.

وعلى هذا الأساس تعامل القرآنُ مع بني إسرائيل، ففي المقام الذي استحقُّوا فيه المدحَ مدحهم، وإنْ كان عكس ذلك ذمَّهم، والمدح والذمُّ ليس بالضرورة لجميعهم، لأنَّهم كانوا بأعداد كبيرة، وآراء مختلفة، فمنهم المؤمن العابد، ومنهم الفاسق الجاحد، ومنهم الأنبياء ومنهم الأشقياء، وإنْ كان الغالب فيهم هو الجحود والتمرُّد والشَّقاء، ولذلك نرى أكثر الآيات تذمُّهم وتبيِّن مساوئَهم، ولهذا ينصرف الذهنُ عند سماع كلمة بني إسرائيل إلى الإجرام والفساد، وإلى يومنا هذا، وسنتعرض في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى لنبذة من سيرتهم السيئة التي تعرَّض إليها القرآن الكريم، ونكتفي في هذا الفصل لعرض بعض الأوصاف التي وُصِفُوا بها وعلى وجه السرعة، ثمَّ لنماذج ممَّن مدحهم القرآن الكريم من بني إسرائيل، فهنا أمران:

الأول: أوصافهم في القرآن الكريم

وُصِفَ بنو إسرائيل في القرآن الكريم بأوصاف متعدِّدة، وفي مواضع وأزمان مختلفة، وسنذكر الآيات من دون تعليق عليها:

كافرون: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة:89)، {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة:98).

ظالمون: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(البقرة:95)، {وَكَانُوا ظَالِمِينَ}(الأعراف:148، والبقرة:246، والأعراف:150، والجمعة:5، والأحقاف:10).

فاسقون: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:25)، {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:25، والصَّفّ:5 ، وانظر: المائدة:26).

مفسدون: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة:64). 

مفترون: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}(الأعراف:152).

سفهاء: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ}(البقرة:142)، {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}(الأعراف:155).

لا يفقهون: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}(الحشر:13).

لا يعقلون: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}(الحشر:14).

قساة القلوب: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(البقرة:74)، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}(المائدة:13).

طغاة: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}(المائدة:68).

سمَّاعون للكذب: {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ }(المائدة:41)، {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}(المائدة:42). 

كمثل الحمار: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ}(الجمعة:5).

ضُلَّال: {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة:60).  

ثم إنَّ استقصاء جميع ما وُصِفُوا به يحتاج إلى استقراء جميع آيات القرآن الكريم وما جاء في تفسيرها.

الثاني: بعض من مدحهم القرآن من بني إسرائيل

القاعدة العامَّة في القرآن الكريم لمن يستحق الجنَّة هي الإيمان والعمل الصالح، يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:62)، وقد أشار القرآن إلى بعض بني إسرائيل فأثنى عليهم، وعلى مواقفهم، نذكر منهم: 

أولا: زوجة فرعون آسية بنت مزاحم التي عُدَّت من سيِّدات نساء العالمين الأربع، فقد ورد أنَّها من بني إسرائيل كما عن الصادقg: >وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل<([32])، فقد ذكرها القرآن، بل جعلها مثلاً للذين آمنوا، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(التحريم:11)، وكذلك السيدة مريم العذراءj، فإنَّها من بني إسرائيل.

ثانياً: قد مدح الله بني إسرائيل على صبرهم في مواجهة فرعون في قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}(الأعراف:137).

والنصر كان وعداً من اللهa مشروطا بتوفِّر ثلاث خصال([35])، وهي الاستعانة بالله والصبر والتقوى كما في قوله في آية سابقة: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(الأعراف:128).

فالقرآن هنا لم يغفلْ عن هذه الخصلة الحسنة التي كانت فيهم وهي الصبر، والصبر يستلزم التقوى والاستعانة بالله، وإن كانت هذه الخصال لم تدمْ طويلاً، بل كانت مؤقتة، فإنَّ الآيةَ اللاحقة تقول: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}(الأعراف:138)، وهذا يخالف التقوى بل الإيمان. 

ثالثاً: تحدَّث القرآنُ عن مجموعة من بني إسرائيل ممَّن ثبت مع طالوت في مواجهة جالوت، وكانوا قلة بالنسبة لمن خذل طالوت، ونُقِلَ حديثُهم ودعائهم لأهميته، فقال تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة:249-250).

فوصفوا بأنَّهم {آَمَنُوا}، وأنَّهم {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} ومعنى الظن كما يقول صاحب الميزان إمِّا بمعنى اليقين، وإمَّا كناية عن الخشوع([39])، ودعائهم يدلُّ على أنَّهم وصلوا إلى درجة عالية من التوكل على الله، وكذلك قولهم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

رابعاً: شهد اللهُ تعالى لمجموعة من قوم موسىg بأنَّهم أمَّةٌ هادية، قال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(الأعراف:159)، واختلف في المقصود من هؤلاء([41])، وجاء عن أمير المؤمنينg -في احتجاج له مع رأس الجالوت، بعد أنْ ادَّعى أنَّ بنو إسرائيل فرقة واحدة- قال g: >كذبت والذي لا اله غيره، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فإنَّ الله يقول: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فهذه التي تنجو<([42]). 

وعن الصادقg: >إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلا؛ خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسى ومؤمن آل فرعون، و سلمان الفارسي، وأبا دجانة الأنصاري، ومالك الأشتر<([43]).

خامساً: تقدَّم أنَّ طائفة من بني إسرائيل آمنوا بعيسىg، وقد أيدَّهم الله تعالى: {فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}(الصّفّ:14).

الفصل الثَّاني: [بعض تاريخهم] في القرآن الكريم

1. قبل النبي موسىg:

أكثر الأحداث التي ذكرها القرآن الكريم من سيرة بني إسرائيل كانت في زمن نبي الله موسىg، والفاصل بين موسى ويوسفh أربعمائة سنة كما في بعض الأخبار([45])، وكان بنو إسرائيل يعيشون هذه الفترة في أرض مصر منذ أن هاجر إليها النبي يعقوبg، ولم ينقل لنا القرآنُ تفاصيلَ عن هذه الفترة، وكيف عاش بنو إسرائيل، وما هي سيرتهم، إلا ما ذكر من تعرضهم للعذاب من قبل الأقباط الذين كان آخرهم فرعون، فقد جاء على لسانهم مخاطبين النبي موسىg في قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}(الأعراف:129)، وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}(القصص:4). 

ويظهر أنَّ سببَ العذاب هو تمسكهم بدين آبائهم، وعدم الاعتراف بربوبية فرعون، فقد كانوا على ظاهر الإيمان، ومتبعين لشريعة إبراهيمg، وهذه كانت وصيَّة إبراهيم ويعقوبh، قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(البقرة:132-133).

وعن الإمام الصادقg: >إنَّ يوسف ابن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب، وإنَّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمرانg، غلام طوال جعد آدم، فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمى ابنه عمران ويسمي عمران ابنه موسى<([49]).

وقد كثر عدد بني إسرائيل حتى وصل إلى مئات الآلاف، واشتدَّ عليهم البلاء حتى بُعِثَ لهم موسىg، وكان قبل موسى يوجد أنبياء في بني إسرائيل، ولكنَّ الخلاصَ كان على يديهg([50])، وكان صاحب شريعة جديدة.   

2. هدفان رئيسيان لبعثة موسىg:

الهدف الأول: دعوة فرعون وقومه إلى التوحيد، ونبذ الآلهة المصطنعة

قال تعالى مخاطبا موسىg: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}(النّازعات:17-19).

الهدف الثاني: تخليص بني إسرائيل من فرعون وهدايتهم وتعليمهم

فقد ورد في أكثر من آية طلب موسىg من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، كما في قوله تعالى (مخاطباً موسى وهارونh): {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}(طه:47)، وكذلك قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}(الشُّعراء:16-17).

وفيما يتعلق بالهداية قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة:44).

فالنبي موسىg عاش فترتين من عمره عانى فيهما معاً أشدَّ المعاناة، وفي كلِّ فترة تحمَّل مسؤولية عظمى لا تقلُّ عن أختها، وتحدَّث القرآنُ عنهما معاً في آيات عديدة وبشيء من التفصيل، فبعد أن انتهى من دعوة فرعون وقومه، وتحمَّل خلالها العناء والخطر، والتشريد والملاحقة، اُبتلِيَ بأصحابه من بني إسرائيل وبدأت المصائب والمحن تنصبُّ على موسىg.

3. بعض معاجز موسىg لفرعون وقومه:

ولا بأس بذكر بعض المعاجز التي أتى بها موسىg لفرعون وكانت بمرأى من بني إسرائيل، حتى نعرفَ كثرةَ المعاجز التي شاهدها بنو إسرائيل ومع ذلك أصرُّوا على العمى والضلالة، قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا}(الإسراء:101).

فبعد أن ابتلى اللهُa آلَ فرعون بالجدب والقحط ونقص الثمرات، ما زادهم إلا عتواً وتجبراً، خصوصاً بعد أن رأى فرعونُ أنَّ مكانة موسىg تزداد وأتباعه يكثرون، فردَّ هو وقومه بكلِّ صلافة على موسىg: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}، فجاء الردُّ الإلهي القاطع {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}(الأعراف:131-132)، ومجمل ما جاء في تفصيل هذه الآيات والعقوبات، هو أنَّ الله تعالى أرسل على آل فرعون الطوفان فخرَّب دورَهم ومساكنَهم حتى خرجوا إلى البرية وأقام الماء على وجه أراضيهم لا يقدرون على أن يحرثوا، فقال فرعون لموسىg: ادع لنا ربك أنْ يكفَّ عنَّا الطوفان فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الطوفان فلم يؤمنوا.

فأنزل الله عليهم (في السنة الثانية أو الشهر الثاني حسب اختلاف النقل) الجراد، فجردت زروعهم وأشجارهم حتى كانت تجرد شعورهم ولحاهم، وتأكل الأبواب والثياب والأمتعة، وكانت لا تدخل بيوت بني إسرائيل ولا يصيبهم من ذلك شئ، فعجُّوا وضجوا وجزع فرعون من ذلك جزعاً شديداً، وقال: يا موسى ادع لنا ربك أنْ يكفَّ عنَّا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل، فدعا موسىg ربَّه فكفَّ عنهم الجراد، ولم يدعْ هامانُ فرعونَ أن يخلي عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم (السنة الثالثة أو الشهر الثالث) القُمَّل، فأتى على زروعهم كلهم واجتثَّها من أصلها، فقال فرعون لموسىg: ادع لنا ربك لئن كشف عنا القمل لأكفن عن بني إسرائيل، فدعا موسىg حتى ذهب القمل، فنكثوا.

فأنزل الله عليهم (السنة الرابعة أو الشهر الرابع) الضفادع، فكانت في طعامهم وشرابهم وامتلأت منها بيوتهم وأبنيتهم، فلمَّا رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسى وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود، فادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنَّا نؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ثمَّ دعا ربَّه فكشف عنهم الضفادع.

ثمَّ نقضوا العهد وعادوا لكفرهم، فأرسل الله عليهم الدم فسال ماء النيل عليهم دما، فكان القبطي يراه دماً، والإسرائيلي يراه ماء، فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء وإذا شربه القبطي يراه دما، وكان القبطي يقول للإسرائيلي: خذ الماء في فيك وصبَّه في فيَّ، فكان إذا صبَّه في فم القبطي تحوَّلَ دماً، وإنَّ فرعون اعتراه العطش حتى أنَّه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه دماً، فأتوا موسى فقالوا: ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل.

فلما دفع الله عنهم الدم لم يؤمنوا ولم يخلوا عن بني إسرائيل، {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ}؛ أي العذاب وقيل: هو الطاعون، وعن الصادقg: >أنَّه أصابهم ثلج أحمر فماتوا فيه وجزعوا< حينها {قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}(الأعراف:134-136) ([58]).

4. بعد هلاك آل فرعون وطلب الإله:

بعد أنْ أهلك اللهُa فرعونَ وقومَه وأغرقهم في اليمِّ، وكانت طريقة هلاكهم معجزة أخرى تنضمُّ إلى بقية المعجزات التي عاينها بنو إسرائيل بأنفسهم، وعايشوها بأجسادهم، لا يتوقع أحدٌ ولا يخطر في ذهنه أنَّ بني إسرائيل سينقلبون بهذه السرعة، وستنكشف تلك النفوس والقلوب البعيدة عن الهدى، وسيطلبون من نبيِّهم الذي عانى وقاسى من أجل نجاتهم وخلاصهم بعد فترة طويلة من العذاب والحرمان ذلك الطلب المخزي، فبينما هم عبيد مستضعفون وإذا يجعل الله لهم الملك والسلطان ويرثون تلك المغانم والنعم كما قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}(الشُّعراء:52-59). 

بدل أن يشكروا موسىg صنيعَه معهم، طلبوا منه طلباً كان على قلب موسىg كالصاعقة، فخاطبهم: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}، لأنَّ طلبهم لا يصدر إلا من الجاهل الذي لا يفقه شيئاً {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌَ}(الأعراف:138)، وهل إله موسىg من صنعه حتى يجعل لكم إلهاً، وأيُّ عقلٍ يقبل الإله المصنوع من قبل البشر، أليست هذه عقيدة الوثنيين الذين كان يعبدون ما ينحتون بأيديهم؟!

وهل وجدوا نقصاً في إله موسىg، أو ضعفاً وفقراً (تعالى الله عمَّا يقول المبطلون) حتى يلتجئوا إلى الإله المصطنع؟ {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(الأعراف:140)

وطلبهم هذا دليلٌ على وجود أرضية الشرك والوثنية في نفوسهم، بسبب معاشرتهم للمصريين الوثنيين([61])، ولكن ربما لم يكن من مصلحتهم إظهار ذلك أيام فرعون، فما أن أتتهم الفرصة حتى كشفوا عن بواطنهم، وسوء عقيدتهم([62]). 

وهذه الحادثة كانت بداية معاناة موسىg مع بني إسرائيل، فكلُّ ما تقدَّم من معاجز وآيات بيِّنات لم تكن تكفي بني إسرائيل، إنَّه مجتمعٌ غريبُ الأطباع؛ فإنَّه عاش وسط الأنبياء، وتربى في حجور الأولياء، وعاين أنواع المعجزات، وشاهد هلاك الكافرين، أفيحتاج إلى آيات أخرى حتى يؤمنَ ويذعنَ للحق ويسلَّمَ أمرَه لله تعالى {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}(يونس:32-33).

5. ميقات موسىg وعبادة العجل:

يقول الشهيد الحكيمN في علوم القرآن، حول ذكر بعض الأحداث مع بني إسرائيل: "وفي بعض هذه الأحداث لا نجدُ القرآنَ الكريمَ يحدد المتقدم منها على الأحداث الأخرى بشكلٍ واضح<([64]). 

وكذلك لم نجد في كتب التاريخ ما يوضِّح التسلسل الزمني لهذه الأحداث بشكل دقيق، بالإضافة إلى اختلاف الروايات، فلذلك سنذكر ما تحدَّث عنه القرآن على سبيل الظن والتخمين أنَّه متسلسل زمنياً. 

ونذكر هنا حادثة العجل عندما ذهب موسىg لميقات ربِّه، وقد ذكرها القرآن في عدة مواضع، وجاءت بشيءٍ من التفصيل في سورة طه (الآيات 85 – 98)، وفي هذا اللقاء بين موسىg وربه! اُختلف في أنَّه هل كان هناك ميقات واحد فقط كما ذهب إليه صاحب الأمثلB([65])، ويظهر من صاحب الميزانN أيضا([66])، أو أنَّ هناك أكثر من ميقات كما ربما يظهر من بعض الآيات؟

وعلى كلِّ حال، فإنَّه لمَّا أخبر موسىg بني إسرائيل بأنَّه سمع كلام الله تعالى لم يصدِّقوه، وقالوا له: لا نصدِّقُك على قولك إنَّ الله كلَّمك، فاختار السبعين حتى يشهدوا كلام الله([67])!، ويشهدوا نزول التوراة، فذهب موسىg مع السبعين، واستخلف أخاه هارونg على بني إسرائيل، فماذا فعل هؤلاء مع هارونg؟

6. عبادة العجل:

لقد احتال السامريُّ على البسطاء من بني إسرائيل، عندما تأخَّر موسىg، وصنع لهم عجلاً من ذهب له خوار كخوار العجل، وقال لهم ومن أعانه: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}(طه:88)، أيْ أنَّ الإله الذي فلق البحر، وأغرق فرعون وقومه، وأنجى بني إسرائيل، والإله الذي ذهب له موسىg هو هذا المصنوع بأيدينا، فعبد العجلَ أكثرُ بني إسرائيل([68]) من دون تفكر وتعقل، ويشير القرآنُ إلى خفَّةِ عقول بني إسرائيل بقوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}(طه:89).

7. مع هارونg:

كان لهارونg حقُّ الطاعة، لأنَّه نبيٌّ معصوم، ولأنَّه خليفة موسىg، وقد نهى بني إسرائيل عن عبادة العجل، لأنَّه شرك بالله تعالى، ولكنَّهم صدَّقوا السامري وكذَّبوا هارون، قال تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}، فأجابوه بوقاحة وقالوا: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}(طه:90-91) فهم مصرُّون على عبادة العجل، ولا يأبهون بكلام هارونg.

ويشير القرآنُ إلى ما فعلوه بهارونg في قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(الأعراف:150)، ففي هذه الآية إشارة إلى عدة أمور:

1. استضعاف هارونg: والاستضعاف لا يليق بمؤمن عادي فضلا عن نبي معصوم.

2. محاولة قتل هارونg: {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي}، وهذا التعبير يدلُّ على أنَّهم كانوا عازمين ومصرين على قتله، واقتربوا جداً من فعل هذه الجريمة النكراء، ولعلَّ هذه المحاولة كانت البداية (إذا لم يثبت أنَّهم ارتكبوا هذه الجريمة من قبل) في سنِّ قتل الأنبياء، كما يتحدَّث بذلك القرآن الكريم.

3. الشماتة: {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ}، هذه الفقرة تدلُّ على أنَّهم كانوا في حالة شماتة بهارون وموسىh.

4. الأعداء: لقد وصفهم هارونg بأنَّهم أعداء، والعدو للنبي لا يمكن أن يتَّصِف بالإيمان فهم أعداء الأنبياء، ولا صلة لهم بتعاليم الأنبياء وسيرتهم.

5. الظالمين: فهم ظلموا هارونg عندما استضعفوه وحاولوا قتله، وظلموا موسىg؛ لأنَّهم لم يراعوا وصيَّتَه وخليفتَه، وظلموا أنفسهم إذ عرَّضوها للسخط الإلهي.

فهذا حال من كان مع هارونg، فما هو حال السبعين الذين مع موسى×؟ وهل كانوا أفضل وأعقل من الآخرين؟

8. مع موسىg في الميقات:

تشيرُ بعض الآيات إلى أنَّ موسىg سبق القوم إلى الميقات وكان في حالة عجل، وخاطبه الباري: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}(طه:83-84)، فالشوق أخذ من موسىg مأخذه، وعن الصادقg: >المشتاق لا يشتهى طعاما ولا يلتذُّ بشراب، ولا يستطيب رقادا، ولا يأنس حميما، ولا يأوي دارا، ولا يسكن عمرانا، ولا يلبس ثيابا، ولا يقرُّ قرارا، ويعبد الله ليلا ونهارا، راجيا بأنْ يصلَ إلى ما يشتاق إليه، ويناجيه بلسان الشوق معبِّرا عمَّا في سريرته، كما أخبر الله تعالى عن موسىg في ميعاد ربِّه {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} وفسَّر النبيe عن حاله أنَّه ما أكل ولا شرب، ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقا إلى ربه<([70]).

وعلى كلِّ حال، ذكر القرآن حال هؤلاء السبعين بقوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(البقرة:55-56)، وورد عن الرضاg أنَّ موسىgصعد إلى الطُّور: >وسأل الله تبارك وتعالى أنْ يكلِّمَه ويُسمعَهم كلامَه، فكلَّمه اللهُ تعالى ذكرُه، وسمعوا كلامَه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام؛ لأنَّ الله! أحدثه في الشجرة، ثمَّ جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأنَّ هذا الذي سمعناه كلام الله {حتى نرى الله جهرة}، فلمَّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث الله! عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسى: يا ربِّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنَّك ذهبت بهم فقتلتهم؛ لأنَّك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا: إنَّك لو سألت الله إنْ يريَك أنْ تنظرَ إليه لأجابك، وكنتَ تخبرنا كيف هو فنعرفه حقَّ معرفتِه، فقال موسىg: يا قوم إنَّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنَّما يُعرَفُ بآياته ويُعلَمُ بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسألَه.

فقال موسىg: يا ربِّ إنَّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى اللهc إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسىg: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} وهو يهوي {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ} بآية من آياته {جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي{وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} منهم بأنك لا ترى<([73]). 

فانظر إلى لجاجة هؤلاء القوم، وعصيانهم نبَّيهم، واشتراطهم عليه بأنَّهم لن يُؤمنوا إلا برؤية الله تعالى، وكأنَّهم يقولون بأنَّنا لحدِّ الآن لا نصدِّقك ولا نؤمن بك، وانظر إليهم وقد رأوا الموت ثمَّ بعثوا ومع ذلك لم يؤمنوا، بل أصرُّوا على عصيانهم غير خائفين من العقاب الإلهي، ثمَّ قارن هؤلاء السبعين بأولئك الذين عبدوا العجل، وقد صدَّقُوا السامري بمجرَّد أن رأوا العجل يخور، وبالغوا في تمسكهم بعبادة العجل حتى أرادوا قتل هارونg لما نهاهم عن عبادته، بينما هؤلاء سمعوا كلام الله بذلك الشكل المعجز، وأخبرهم نبيُّهم المعصوم بأنَّه كلامُ اللهa، وأماتهم اللهa ثمَّ أحياهم ومع ذلك جحدوا وكفروا!! 

وقد ورد عن الإمام الحجةl، أنَّ هؤلاء السبعين كانوا من المنافقين([74]). 

9. رجوع موسىg من الميقات:

لقد أخبر الله موسىg وهو في الميقات، بأنَّ القوم قد عبدوا العجل وضلُّوا قال تعالى: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}(طه:85)، فوقع هذا الخبر على قلبه كالصاعقة وامتلأ غضباً؛ فهو لم يفارقهم سوى أيام قلائل، وهذه بادرة خطيرة من بني إسرائيل إذ يشركون بالله بهذه الصورة العلنية، ولبيان عظم ما اقترفوه جاءهم بهئية خاصَّة، وعمل أعمالا تبيُّن لهم سَخَطَهُ الشديد عليهم، قال تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي}(طه:86)، وفي آية أخرى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}(الأعراف:150).

فما عمله موسىg يتلخص في أمور: 

إظهار الغضب والأسف: ويحقُّ له ذلك، فأتعابه وجهاده الطويل قد ذهب هدراً مع بني إسرائيل، فالتوحيد هو أساس ما جاء من أجله موسىg، وقد ضيَّعوه.

العتاب الشديد: {يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ}، {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}.

التهديد بالعقاب: فالعتاب لا يكفي قبال هذه الجريمة العظيمة، فهدَّدهم بعقاب الله تعالى، {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي}.

إلقاء ألواح التوراة: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ}، وهذا نوع من الاحتجاج العملي، فإن الأفعال تبقى وترسخ في الذهن أكثر من الأقوال، فقرن موسىg الفعل بالقول.

أخذه برأس أخيه: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}، وقد اختلف في مغزى هذا الفعل، إذ ظاهره لا يليق بفعل المعصوم مع المعصوم، ولكن القدر المتيقن منه، هو أنَّه جاء في مقام الاعتراض على عبادة العجل، وإرسال رسالة لبني إسرائيل أنَّهg لا يمكن أنْ يتساهل في جريمة نكراء كهذه.

10. العقاب الإلهي لعابدي العجل:

تحدَّث القرآنُ عن عقوبةٍ صارمةٍ لعابدي العجل، تتناسب وهذه الجريمة، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}(الأعراف:152)، فالعقاب دنيوي وآخروي، والهدف منه التكفير عن هذا الشرك الذي عبَّر عنه القرآنُ بأنَّه افتراء {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، وهذا العقاب هو شرطٌ لقبول توبة من أراد التوبة، فمن كانت توبته صادقة فليوطئ نفسَهُ للموت، ونرى أنَّ خطابَ موسىg بعد أن ذهب عنه الغضب خطاباً فيه رأفة ورحمة، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(البقرة:54).

ويفهم من بعض الأخبار بأنَّهم في البداية أنكروا عبادتهم للعجل، ففي تفسير القميN: >قيل وإنَّ منْ عبد العجل أنكر عند موسىg أنَّه لم يسجد له، فأمر موسىg أن يبرد العجل بالمبارد، وألقى برادتَه في الماء، ثمَّ أمر بني إسرائيل أنْ يشرب كلٌّ منهم من ذلك الماء، فالذين كانوا سجدوا يظهر له من البرادة شيءٌ، فعند ذلك استبان من خالف ممَّن ثبت على إيمانه<([79]).

والقرآنُ يشير إلى أنَّهم ألقوا اللومَ على السامري عندما عاتبهم موسىg، فقالوا له: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}(طه:87).

وبعد استسلامهم للقتل، أُمروا أنْ يقتل بعضهم بعضاً، والأخبار مختلفة في طريقة القتل، وعن الإمام العسكريg في التفسير المنسوب إليه: >فأمر اللهُ اثني عشر ألفا([81])، أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم، ونادى مناديه: ألا لعَنَ اللهُ أحداً اتَّقاهم بيد أو رجل، ولعن الله من تأمَّل المقتولَ لعلَّه تبيَّنه حميما أو قريبا فيتوقاه، ويتعداه إلى الأجنبي، فاستسلم المقتولون، فقال القاتلون: نحن أعظم مصيبة منهم، نقتل بأيدينا آباءنا [وأمهاتنا] وأبناءنا وإخواننا وقراباتنا، ونحن لم نعبد، فقد ساوى بيننا وبينهم في المصيبة، فأوحى الله تعالى إلى موسىg: يا موسى [إني] إنَّما امتحنتهم بذلك لأنَّهم (ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل، ولم) يهجروهم، ولم يعادوهم على ذلك<([82]).

11. التخلي عن الجهاد والابتلاء بالتيه:

 لقد أُمِرَ بنو إسرائيل بالجهاد حتى يدخلوا أرضَ فلسطين المقدسة، وكان بها قومٌ جبارون، ولكن يبدو أنَّ بني إسرائيل اعتادوا على الراحة والدعة، وخافوا على أنفسهم من الموت، فأظهروا العصيان عن أمر الجهاد كما يحدثنا القرآنُ الكريم، فقد قال لهم موسىg: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}، ويبدوا أنَّ موسىg كان يتوقع منهم العصيان، لذلك أضاف إلى الأمر بالجهاد تهديداً وتحذيراً بعدم الارتداد، ولكنَّ القومَ لم يمهلوا موسىg فقالوا من دون تردد: {يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ}، فهم يريدون من الجبَّارين أن يخرجوا من فلسطين طوعاً، ويفتحوا لهم الأبواب لدخولها، من دون ضرب بسيف أو طعن برمح، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، قال العلامة الطبأطبائي: "وقوله: {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} وعدٌ منهما لهم بالفتح والظفر على العدو، وإنما أخبرا إخبارا بتياً، اتكالا منهما بما ذكره موسىg أنَّ اللهَ كتب لهم تلك الأرض لإيمانهما بصدق أخباره، أو أنهما عرفا ذلك بنور الولاية الإلهية، وقد ذكر المعظم من مفسري الفريقين: أن الرجلين هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما من نقباء بني إسرائيل الاثني عشر"([83]).

ومع ذلك أصرَّ بنو إسرائيل على العصيان وقالوا لموسىg بكل صلافة ووقاحة: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، وربما كانوا يتوقعون من موسىg أن يستعمل مع الجبارين الإعجاز لإخراجهم، وهم قد تعودوا على رؤية المعجزات الكثيرة، فلمَّا رأى موسىg ذلك التجأ إلى الله وقال: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}، وجاء الجواب الحاسم من الله تعالى فقال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}(المائدة:26)، فهم لا يستحقون دخول هذه الأرض المقدَّسة.

12. في التيه: 

التيه في الصحراء لمدة أربعين سنة كان عقاباً قاسياً، ولكنَّه يتناسب مع كثرة العناد واللجاج الذي امتاز به بنو إسرائيل، ومع ذلك لم تنقطع رحمة الله الواسعة عنهم في زمن التيه، ففي التفسير المنسوب للإمام العسكريل: >قال اللهa: {وَ} اذكروا يا بني إسرائيل إذ {ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ} لما كنتم في التيه يقيكم حرَّ الشمس وبرد القمر. {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} المن: الترنجبين كان يسقط على شجرهم فيتناولونه والسلوى: السماني طير، أطيب طير لحما، يسترسل لهم فيصطادونه<([85]).

وكان موسىg يضرب الأرض بالعصا فتنفجر اثنتا عشرة عيناً، لكلِّ قبيلةٍ من بنى أب من أولاد يعقوب عيناً خاصة، فإنهم كانوا اثني عشر سبطا أي قبيلة، يقول تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}(البقرة:60).

ومع كلِّ هذه النعم، وهم في زمن التيه والتوبة، ومن المفترض أن يخجلوا من طلب شيء من موسى×، ولكنَّهم نفذ صبرُهم فقالوا لموسىg: {يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}، وهذه الأمور التي طلبوها هي دون ما كانوا ينعمون به بدون جهد أو مشقة، فكان هذا الطلب غريباً، فقال لهم موسىg: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}، والمقصود ب(مصر) مصراً من الأمصار في ذلك التيه([87])، وليس مصر المعهودة فإنَّهم كانوا فيها فعلا.

13. دخول الأرض المقدسة:

توفي هارونg قبل موسىg، واختلف في وفاة موسىg، هل كان زمن التيه، أم بعده؟ أي هل هو الذي فتح بيت المقدس أم وصيُّه يوشع بن نون([88]

عن الصادقg عن النبيe: >ومات موسى كليم اللهg في التيه فصاح صائح من السماء مات موسىg وأي نفس لا تموت؟<([89]).

وأما بني إسرائيل فقد جاء عن الصادقg: >أنَّ بني إسرائيل قال لهم {ادخلوا الأرض المقدسة}، فلم يدخلوها حتى حرَّمها اللهُ عليهم وعلى أبنائهم، وإنِّما دخلها أبناء الأبناء<([90]).

فكلُّهم إذن ماتوا في زمن التيه، إلا يوشع بن نون وكالب بن يوفنا كما في بعض الأخبار، وفتح يوشع الأرض المقدسة، وقد أمر الله بني إسرائيل بدخولها سجداً وأن يقولوا (حطَّةٌ) حال دخولهم، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة:58)، وهذا الأمر ليس فيه أيُّ عسر أو حرج، ولكنَّ القوم أبناءُ القوم، قد تجذرت فيهم الاستهانة بالأوامر الإلهية، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة:59)، وقد ورد >أنَّهم لم يسجدوا كما أمروا، ولا قالوا ما أمروا، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم وقالوا: هطا سمقانا -أي حنطة حمراء نتقوتها- أحبُّ إلينا من هذا الفعل وهذا القول<([92])، فعاقبهم الله على ذلك: {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، عن النبيg في تفسير الرجز: >عذابا من السماء طاعونا نزل بهم، فمات منهم مائة وعشرون ألفا،  ثمَّ أخذهم بعد قباع([93]) فمات منهم مائة  وعشرون ألفا أيضا<([94]).

14. هذا الخلف من ذلك السلف:

إنَّ الذين جاءوا بعد ذلك لم يكونوا أحسن من أسلافهم، بل ورثوا منهم الجحود والفساد، ويقول القرآن عنهم: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(الأعراف:168-169).

هذا مقطعٌ من سيرة بني إسرائيل ومن أكثر المقاطع التي ركَّز عليها القرآنُ الكريم، وهناك أمورٌ أخرى تتعلق ببني إسرائيل ذكرها القرآن الكريم، لعلَّنا نتعرض لها في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى. 

الفصل الثَّالث: (عقائد بني إسرائيل في القرآن الكريم)

تعرَّض القرآن الكريم لمجموعة من أقوال وأفعال بني إسرائيل التي تُعبِّر عمَّا يعتقدون به، وفي بعض ما مضى من سيرتهم ما يدلُّ على ذلك، وهنا نذكر هذه العقائد بإجمالٍ في مباحث ثلاثة:

المبحث الأوَّل: في التوحيد وما يتعلق به

التوحيد هو أساس الدين، ولأجله بُعِثَ الأنبياءi، فإذا اختلَّ هذا الأساس فقد خُرِبَ كلُّ الدين، وبنو إسرائيل لم يسلم لهم التوحيد، فقد نسبوا إلى للهa ما لا يليق به، وإليك بعض ذلك:

1. نسبة الألوهية للمسيحg:

المسيحُg كان من أنبياء بني إسرائيل، وقد بُعِثَ إليهم، وقد اعتقد فيه جمع منهم أنَّه هو الله كما يظهر مما جاء في سورة المائدة، قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}(المائدة:72)، وهذا شركٌ صريح وواضح، وسمّاه أميرُ المؤمنينg بـ>شرك القول والوصف<([97])، وهناك طائفة من بني إسرائيل آمنت بعيسىg كرسول لله تعالى كما في سورة الصف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}(الصّفّ:14).

2. التوحيد في العبادة:

إنَّ عبادة غير الله تعالى تستلزم الاعتقاد بربوبية هذا الغير المعبود، وأشار القرآنُ إلى أنَّ اليهود والنصارى اتخذوا علمائهم أربابا من دون اللهa، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(التَّوبة:31)، فالآية تصرِّحُ بأنَّهم مشركون، وأمَّا كيفية عبادتهم لهم فأشارت إليه بعض الروايات، منها ما عن أمير المؤمنينg: >وأمَّا الوجه الثاني من الشرك فهو شرك الأعمال قال الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}، وقوله سبحانه: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} ألا إنَّهم لم يصوموا لهم ولم يصلوا، ولكنَّهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم، وقد حرَّموا عليهم حلالا، وأحلُّوا لهم حراما فعبدوهم من حيث لا يعلمون، فهذا شرك الأعمال والطاعات<([100]).

والآية المباركة ذكرت المسيحg، ومن المعلوم أنَّ ما ذكر في الرواية لا ينطبق عليه، فهوg لا يحلِّل حراماً ولا يحرِّم حلالاً، وروى القمي عن الباقرg في تفسير الآية، أنَّه قال: >أمَّا المسيح فعصوه وعظَّمُوه في أنفسهم حتى زعموا أنَّه إلهٌ، وأنَّه ابنُ الله، وطائفة منهم قالوا ثالث ثلاثة، وطائفة منهم قالوا هو الله، وأما أحبارهم ورهبانهم فإنَّهم أطاعوهم وأخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به، ودانوا بهم بما دعوهم إليه، فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم وتركهم ما أمر الله وكتبه ورسله {فنبذوه وراء ظهورهم}، وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتبعوه وأطاعوهم وعصوا الله، وإنَّما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم فعيَّر اللهُ بني إسرائيل بما صنعوا يقول الله {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}<([101]).

3. إثبات البنوَّة لله:

لقد أثبت اليهودُ والنصارى البنوَّةَ لله تعالى كما يصرِّح بذلك القرآن: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}(التوبة:30)، وهذه العقيدةُ تخالف عقيدة التوحيد، إذ الإله الذي يكون له ولد هو إلهٌ ماديٌ من جنس البشر، ويردُّ القرآنُ على هذه الدعوى الباطلة ويقول: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الأنعام:100-103).

وقال العلامة الطبأطبائيN: "وقوله: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} تنبئ الآية عن أنَّ القول بالبنوة منهم مضاهاة ومشاكلة لقول من تقدَّمهم من الأمم الكافرة وهم الوثنيون عبدةُ الأصنام؛ فإنَّ من آلهتهم من هو إله أب إله، ومن هو إله ابن إله، ومن هي إلهة أم إله أو زوجة إله، وكذا القول بالثالوث ممَّا كان دائراً بين الوثنيين من الهند والصين ومصر القديم وغيرهم"([104]).

4. إثبات الجسمية للهa

وهذا الاعتقادُ يتَّضح جلياً ممَّا مرَّ في أكثرَ من مورد، فطلبهم من موسىg أن يجعل لهم إلهاً، وأن يروا الله جهرة، وعبادتهم للعجل كلُّ ذلك يدلُّ على أنَّهم كانوا يعتقدون بجسمية الله تعالى، بل عبادتهم للعجل تدلُّ على تصوُّرِهم الساذج والبسيط للخالق، فالخالق الذي يعتقدون به لا يستطيع الحركة ولا النفع ولا الضر، وأقصى ما يقدر عليه هو الخوار.

وهذه العقيدة بالإضافة إلى نفي العقل لها ينفيها القرآنُ نفياً قاطعاً كما في الآية الماضية: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

5. نفي القدرة عن الله تعالى:

القدرة من أهمِّ الصفات الذاتية لله، فمن لا قدرةَ له فهو إلهٌ مصطنع، وأمَّا الإله الحقيقي فهو {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ولكنَّ اليهودَ قالوا بأنَّ اللهَ خلق الخلق ورفع يده فهو لا يستطيع تغيير ما قدَّر، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}(المائدة:64).

وقال صاحب الأمثلB: "وتفيدنا الكثير من الروايات الواردة عن أهل البيتi أنَّ هذه الآية تشير إلى ما كان اليهود يعتقدون به حول القضاء والقدر والمصير والإرادة، حيث كانوا يذهبون إلى أنَّ اللهَ قد عيَّن كلَّ شيء منذ بدء الخليقة، وأنَّ كلَّ ما يجب أن يحصل قد حصل، وأنَّ الله لا يستطيع من الناحية العملية إيجاد تغيير في ذلك"([106]).

وسيأتي إنْ شاء اللهُ تعالى في الفصل الأخير ما يشير إلى أنَّ هذا القول يرتبط بإنكار البداء، وفيه مجموعة من الرويات، نذكر هنا واحدة ذكرها القمي في تفسيره عن الصادقg: >قال: قالوا قد فرغ الله من الأمر، لا يحدث الله غير ما قد قدَّره في التقدير الأوَّل، فردَّ الله عليهم فقال: بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء؛ أي يقدِّم ويؤخِّر ويزيد وينقص، وله البداء والمشية<([107]).

6. نسبة الفقر لله تعالى: 

قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}([108])، قال القميN في تفسيره: "والله ما رأوا الله تعالى فيعلموا أنَّه فقير، ولكنَّهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان الله غنيا لأغنى أولياؤه"([109]).

وقال العلامة الطباطبائيN: >القائلون هم اليهود بقرينة ما في ذيل الكلام من حديث قتلهم الأنبياء وغير ذلك، وإنَّما قالوا ذلك لما سمعوا أمثال قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (البقرة:245)، ويشهد بذلك بعض الشهادة اتصاله بالآية السابقة {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُون} الآية، أو أنَّهم قالوا ذلك لمَّا رأوا فقر عامة المؤمنين وفاقتهم فقالوا ذلك تعريضا بأنَّ ربَّهم لو كان غنيا لغار لهم، وأغناهم فليس إلا فقيرا ونحن أغنياء"([110]).

المبحث الثَّاني: في النبوة

النبوَّة هي الأصل الثاني للدين، والذي اتفقت عليه في الجملة كلُّ الشرائع السماوية، فالأنبياء والرسلi هم الواسطة بين والأرض السماء، ولكنَّ المهم في المقام هو النظرة الصحيحة للأنبياء وإعطائهم حقَّهم من المنزلة والمقام الثابت لهم من الله تعالى، وسيرة بني إسرائيل تشهد على نظرتهم السيئة للأنبياء، وإليك بعضها:

1. عصمة الأنبياء:

وهي أهمُّ صفةٍ وشرطٍ للنبوة، وبنو إسرائيل من خلال سيرتهم يتبيَّن أنَّهم ما كانوا يعتقدون بعصمة الأنبياء، فموسىg وهو أفضل الأنبياء في نظرهم، كذَّبوه في عدَّة مواطن([111])، ونسبوا له الاستهزاء بهم كما في قصة ذبح البقرة، فإنَّهم خاطبوه قائلين: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(البقرة:67)، ونسبة الاستهزاء لهg خصوصاً وهو في مقام بيان الحكم الشرعي لا يتناسب مع عصمتهg، بل قولهم لهg: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة:55)، يدلُّ على أنَّهم في ذلك الوقت لم يكونوا مؤمنين بأصل نبوَّةِ موسىg، فضلا عن عصمته.   

2. أذية موسىg:

تشير بعضُ الآيات إلى أنَّهم كانوا يؤذون نبيَّهم موسىg حتى قال لهم: {يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(الصفّ:5)، ويظهر من الآية أنَّ الأذية لهg كانت مستمرة، إذ جاء التعبير بصيغة المضارع {تُؤْذُونَنِي}، ونقل الطبرسيN أنَّه "روي في قصة قارون أنَّه دسَّ إليه امرأة، وزعم أنَّه زنى بها، ورموه بقتل هارون"([115]). وفي سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}(الأحزاب:69).

ثمَّ إنَّ أذية الأنبياء لا تجتمع مع الاعتقاد بنبوتهم، ويشير إلى ذلك قولهg في الآية: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}.

هذا بالنسبة لأذية موسىg، وأمَّا من جاء بعده فسيرتهم معهم أوضح من أن تحتاج إلى بيان، ويكفي ما يشير إليه قوله تعالى مخاطباً عيسىg: {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}([117]). 

3. قتل الأنبياء:

جريمة القتل من أعظم الجرائم، خصوصاً في شريعة موسىg، فقد ورد عن الصادقg في قصة البقرة عندما جاء القاتل لموسىg قال له: >يا نبيَّ الله هذا ابن عمِّي فقد قتل، فقال موسىg: من قتله؟ قال: لا أدري، وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا، فعظم ذلك على موسى<([118])، ويقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(المائدة:32).

هذا في الإنسان العادي فكيف بالنسبة لقتل الأنبياء، إنَّه الكفر والجحود بالله تعالى، وقد وصفت مجموعةٌ من الآيات والروايات بني إسرائيل بأنَّهم قتلة للأنبياء، قال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}(المائدة:70)، وقد تقدَّم الحديثُ عن محاولة قتل هارونg.

وفي الكافي، عن الباقرg -في حديث طويل-: >فأرسل الله موسى وهارونh إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل الرسلَ {تترى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ}، وكانت بنو إسرائيل تقتل نبيا واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتى أنَّه كان ربما قتلوا في اليوم الواحد سبعين نبيا ويقوم سوق قتلهم([122]) آخر النهار<([123]).

وهذه التهمة لا ينكرها حتى اليهود، فالقرآن يخاطبهم بذلك وينسب إليهم القتل وهم لم يعترضوا على تلك النسبة، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(آل عمران:183)، والآية تدلُّ أيضاً على رضاهم بما فعل أسلافهم، وإلا لا وجه لمؤاخذتهم بذلك، وعن الصادقg: >قال الله في كتابه يحكي قول اليهود {إنَّ الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان} الآية فقال: {لم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين}، وإنَّما نَزَلَ هذا في قوم يهود وكانوا على عهد محمدe لم يقتلوا الأنبياء بأيديهم ولا كانوا في زمانهم، وإنَّما قتل أوايلهم (أوائلهم) الذين كانوا من قبلهم، فنُزِّلوا بهم أولئك القتلة فجعلهم الله منهم وأضاف إليهم فعل أوائلهم (أوائلهم) بما تبعوهم وتولوهم)<([125]).

وأكثر من ذلك أنَّهم يفتخرون بقتل الأنبياء كما هي دعواهم في قتل نبي الله عيسىg، قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}(النساء:175).

وظاهر هذه الآيات والروايات بل صريح بعضها، أنَّهم كانوا هم المباشرين لعملية القتل، ولكن ورد في بعض الروايات أنَّهم إنَّما كانوا سبباً في القتل، فقد ورد عن الصادقg >في قول اللهa: {ويقتلون الأنبياء بغير حق} فقال: >أما والله ما قتلوهم بأسيافهم، ولكن أذاعوا سِرَّهم وأفشوا عليهم فقتلوا<([127])، والله العالم.

4. تحريف الكتاب:

الكتب السماوية هي مصدر التشريع، وفيها أوامر السماء وتعاليم الأنبياء، ويجب على المؤمنين الحفاظ عليها، فمن تركها وراء ظهره، أو تعمَّد تحريفَها فإنَّه في عداد المنكرين لصاحب ذلك الكتاب، والقرآن الكريم ذكر في عدَّةِ مواضعَ وقوع التحريف من قبل بني إسرائيل لكتبهم السماوية، قال تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا}([128]).

وكان علماء اليهود يعرفون التوراة الصحيحة أو قسم منها لا أقل في زمن النبيe، والقرآن يشهد في آيات متعدِّدة بوجود ما هو صحيح من التوراة، مثلاً يخاطب بني إسرائيل قائلا: {وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة:41)، وفي آية أخرى يقول تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:146).

ولكنَّ اليهودَ وصلوا إلى مرحلة من الكفر والجحود، جعل القرآنَ ييأس من هدايتهم، ويُخبر المؤمنين بأنَّ هؤلاء لا طمع في إيمانهم، يقول تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:75).

وكان مكتوب في التوراة صفات النبيe ومكان هجرته، لذلك استوطنوا المدينة وأطرافها، وعن الصادقg أنَّهم كانوا يقولون للأوس والخزرج: >أما لو قد بُعث محمدٌ ليخرجنَّكم من ديارنا وأموالنا، فلمَّا بعث اللهa محمداe آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود، وهو قول اللهa: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلمَّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}(البقرة:89)<([133]).

ومن الأقوال الغريبة لليهود في هذا الشأن، هو ادعائهم أنَّ الله تعالى لم ينزِّل كتاباً من السماء على أحد، وهدفهم إنكار نبوة النبيe، وأمَّا التوراة التي بأيديهم فإنَّهم يعترفون بأنَّها ليست من كلام اللهa، بل كتبها من جاء بعد النبي موسىg([134])، يقول تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ}، ويجيبهم القرآن بما لا يستطيعون إنكاره وهو أنَّ موسىg قد أنزلت عليه الألواح وفيها التوراة، {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}([135]).

ويقول العلامة الطباطبائيN في تفسير الآية: "ولمَّا قيد قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} بالظرف الذي في قوله: {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} أفاد ذلك أنَّ اجتراءهم على الله سبحانه، وعدم تقديرهم حقَّ قدرِه، إنَّما هو من حيث أنَّهم نفوا إنزال الوحي والكتاب منه تعالى على بشر، فدلَّ ذلك على أنَّ من لوازم الألوهية وخصائص الربوبية أنْ ينزِّل الوحي والكتاب لغرض هداية الناس إلى مستقيم الصراط والفوز بسعادة الدنيا والآخرة"([136]).

المبحث الثَّالث: حول المعاد

الاعتقاد بالرجوع للعالَم الآخر هو الركن الثالث لجميع الأديان السماوية، وقد أكَّد عليه جميعُ الأنبياء والرسلi في دعوتهم لأقوامهم، وبنو إسرائيل يعتقدون بذلك ظاهراً، إذ لا يمكنهم إنكار المعاد وإلا كان خروجاً عن دينهم اليهودي، ولكنَّهم من الناحية العملية يخالفون هذه العقيدة، فتراهم متشبِّثين بالحياة كالكفار والمشركين الذين ينكرون المعاد بل أكثر منهم، والذي يرى بأنَّ الموتَ هو نهاية الحياة من الطبيعي أنْ يخاف الموت ويكرهه، والقرآن يحدِّثنا عن اليهود فيقول: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَوةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(البقرة:96).

وذُكِرَ بأنَّ تنكير الحياة في تعبير الآية {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَوةٍ } تفيد الاستهانة والتحقير، أي إنَّ هؤلاء حريصون حتى على أتفه حياة وأرخصها وأشقاها، ويفضلونها على الآخرة([138]).

وفي الآيات السَّابقة على هذه الآية يردُّ القرآنُ على دعواهم بأنَّ الآخرة هي لهم وحدهم من دون الناس، فيقول: {إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة:94)، فالذي يعتقد حقاً بأنَّ الآخرة وما فيها من نعيم خلقت له، فإنه سوف يفضِّلُها على هذه الحياة الزائفة، ويضيف القرآن ويقول: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}(البقرة:95)، ونفس هذا الجواب وبنفس اللفظ جاء في سورة الجمعة([140]) رداً على دعواهم بأنَّهم أولياء لله من دون الناس، ولكنَّه أضيف هناك قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الجمعة:8)، والآية تدلَّ على أنَّهم يحاولون عبثاً الفرار من الموت.

والحمد لله ربّ العالمين. 


([1]) البحث هو عبارة عن رسالة البكالوريوس في الفقه والمعارف الإسلامية، كتب في حدود 2007م، أبقيته كما هو دون تغيير.

([2]) سورة البقرة 40 و47 و122، وطه 80.

([3]) آل عمران 93.

([4]) البحراني، السيد هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص69. 

([5]) سورة مريمj، 58.

([6]) الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، علل الشرائع، ج1 ص43، والطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، ج1 ص180.

([7]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج1 ص339.

([8]) العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج2، ص195، والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،  ج12، ص 316.

([9]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج11، ص9.

([10]) الصف 6 و14.

([11]) قال صاحب الميزان&: "أكثر الأمم الماضية قصة في القرآن أمة بني إسرائيل، وأكثر الأنبياء ذكرا فيه موسى بن عمرانg"، تفسير الميزان، ج1، ص209.

([12]) النمل 76 - 77.

([13]) طه 80 – 81، ومنها قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}، البقرة 40.

([14]) المائدة 82.

([15]) الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، ص213، مرسلاً، والبخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، ج4، ص144، والنيسابوري، مسلم بن الحجاج ابن مسلم، صحيح مسلم، ج8، ص57. 

([16]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج1، ص209.

([17]) البقرة 47.

([18]) البقرة 89 و98.

([19]) البقرة 95، والأعراف 148، وراجع البقرة 246، والأعراف 150، والجمعة 5، والأحقاف 10.

([20]) المائدة 25، والصف 5، وراجع المائدة 26.

([21]) المائدة 64.

([22]) الأعراف 152.

([23]) البقرة 142، والأعراف 155.

([24]) الحشر 13.

([25]) الحشر 14.

([26]) البقرة 74، والمائدة 13.

([27]) المائدة 64، و68.

([28]) المائدة 41، و42.

([29]) الجمعة 5.

([30]) المائدة 60.

([31]) البقرة 62.

([32]) الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمتم النعمة، ص147و148.

([33]) التحريم 11.

([34])  الأعراف 137 - 138.

([35]) الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص167 و185. 

([36]) الأعراف 128.

([37]) الأعراف 138.

([38]) البقرة 249 – 250.

([39]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج2، ص293.

([40]) الأعراف 159.

([41]) راجع الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج4، 376.

([42]) العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج2، ص32، والبحراني، السيد هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص225.

([43]) نفس المصدر.

([44]) الصف 14.

([45]) الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمتم النعمة، ص147 و148.

([46]) الأعراف 129.

([47]) القصص 4. 

([48]) البقرة 132 _ 133.

([49]) الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمتم النعمة، ص147 و148.

([50]) ففي حديث الباقرg: >حتى انتهت(النبوة) إلى يوسف بن يعقوبp، ثم صارت من بعد يوسف في أسباط إخوته حتى انتهت إلى موسىg فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياءi فأرسل الله موسى وهارونh إلى فرعون وهامان وقارون<. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب، أصول الكافي ج8، ص116.

([51]) النازعات 17 – 19.

([52]) طه 47.

([53]) الشعراء 16 – 17.

([54]) المائدة 44.

([55]) الإسراء 101.

([56]) الأعراف 132 – 133.

([57]) الأعراف 134 – 136.

([58]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج13، ص81 – 83، والبحراني، السيد هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص196 -198.

([59]) الشعراء 52 _ 59.

([60]) الأعراف 138.

([61]) راجع الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج8، ص234، والشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص190.

([62]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج8، ص234.

([63]) يونس 32 – 33. 

([64]) الحكيم، الشهيد السيد محمد باقر، علوم القرآن، ص419.

([65]) الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص196.

([66]) راجع الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج8، ص271.

([67]) الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، ج4، ص556.

([68]) عن العسكريg، >أنَّ الذين عبدوا العجل ستمائة ألف، والذين لم يعبدوا اثنا عشر ألف< التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص255، وفي تفسير القمي: >أنَّ الذين عبدوا سبعون ألف< القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج2، ص62.

([69]) الأعراف 150.

([70]) مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادقg، ص196، والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج64، ص24.

([71]) البقرة 55- 56.

([72]) الأعراف 143.

([73])  الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، التوحيد، ص122.

([74]) الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمتم النعمة، ص459 في جواب الحجةl (وهو صغير بحضرة والدهg) لسعد بن عبدالله القمي. 

([75]) طه 86.

([76]) الأعراف 150.

([77]) الأعراف 152.

([78]) البقرة 54.

([79]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج2، ص62.

([80]) طه 87.

([81]) وهم الذين لم يسجدوا للعجل.

([82]) التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص254، والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،  ج91، ص7.

([83]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج5، ص292.

([84]) المائدة 21- 26.

([85]) التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص258.

([86]) البقرة 60.

([87]) التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص263، والطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص238.

([88]) الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1415هـ، ج3، ص309.

([89]) الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج3، ص112.

([90]) العياشي، محمد بن مسعود(م320)، تفسير العياشي، ج1، ص304.

([91]) البقرة 58، قال الطبرسيN: "أجمع المفسرون على أنَّ المراد بالقرية ههنا بيت المقدس"، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص229.

([92]) التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص260.

([93]) في حاشية التفسير: "قال ابن زكريا: قبع: أصل صحيح يدل على شبه أن يختبئ الإنسان وغيره، يقال قبع الخنزير أو غيره إذا أدخل رأسه في عنقه، وقبع الرجل: أعيا وانبهر، وسمى قابعا لأنَّه يتقبض عند إعيائه عن الحركة". (معجم مقاييس اللغة: 51).

([94]) التفسير المنسوب للإمام العسكريg، ص545.

([95]) الأعراف 168 – 169.

([96]) المائدة 72.

([97]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج69، ص102.

([98]) الصف 14.

([99]) التوبة 31.

([100]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،  ج69، ص102.

([101]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج1، 289، والبحراني، السيد هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص406.

([102]) التوبة 30.

([103]) الأنعام 100 – 103.

([104]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج9، ص244.

([105]) المائدة 64.

([106]) الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج4، ص75.

([107]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج1، ص171.

([108]) آل عمران 181.

([109]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج1، ص127.

([110]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج4، ص82 – 83، وراجع الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج2، ص460، في بعض أسباب النزول.

([111]) منها ما تقدم عندما أخبرهم أنَّ الله يكلمه، وكذلك في الميقات عندما أخبرهم بأن الصوت هو لله تعالى.

([112]) البقرة 67.

([113]) البقرة 55.

([114]) الصف 5.

([115]) الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج9، ص461.

([116]) الأحزاب 69.

([117]) المائدة 110.

([118]) القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج1، ص49، والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،  ج13، ص260، ونقل الشيخ ناصر مكارم عن قاموس الكتاب المقدس أنَّ: "القتل العمدي وتقبيحه كان على درجة من الأهمية لدى بني إسرائيل، بحيث لا تبرأ ذمة القاتل له لو لجأ إلى الأماكن المقدسة، بل لابد إنزال عقوبة القصاص به بأي حال من الأحوال"، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص301.

([119]) المائدة 32.

([120]) المائدة 70.

([121]) المؤمنون 44.

([122]) يقول الشيخ علي أكبر الغفاري، في تعليقته على الكافي: "الظاهر "سوق بقلهم" كما روي في غيره، أي كانوا لا يبالون بذلك بحيث كان يقوم بعد قتل سبعين نبيا جميعُ أسواقهم، حتى سوق بقلهم إلى آخر النهار؛ لعدم اعتنائهم بذلك، أو المراد أنه ربما كان يمتد زمان قتلهم إلى آخر النهار، أو ربما يأخذون في قتلهم آخر النهار فيقتلون في هذا الزمان القليل مثل هذا العدد الكثير، وعلى آخرين يكون سوق القتل كناية عن المعركة التي أقاموها لقتلهم ولا يخفى بعدهما. (آت).

([123]) الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ج8، ص116.

([124]) آل عمران 183.

([125]) العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج1، ص51، والمجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج97، ص95.

([126]) النساء 157.

([127]) الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج2، ص 371، والبرقي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، ج1، ص256.

([128]) النساء 46.

([129]) البقرة 41.

([130]) البقرة 146.

([131]) البقرة 75.

([132]) البقرة 89.

([133]) الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج8، ص310.

([134]) راجع الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج4، ص374- 375.

([135]) الأنعام 91.

([136]) الطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج7، ص269.

([137]) البقرة 96.

([138]) الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص304، والطباطبائي، السيد محمد حسين، تفسير الميزان، ج1، ص228.

([139]) البقرة 94.

([140]) الجمعة 6-7: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا