صراع النّسويّة مع الأحكام الإسلاميّة

صراع النّسويّة مع الأحكام الإسلاميّة

المقدّمة

تعتبر الحركة النّسويّة في الآونة الأخيرة من أبرز الحركات التي تسعى لتغيير الأحكام الإسلاميّة في سبيل تحقيق أهدافها الخاصّة، وبما أنّ الشّعارات التي تطلقها تلك الحركات ممّا تستهوي كثيراً من الأشخاص -بسبب ما تحمله تلك الشّعارات من معاني لطيفة وبرّاقة بحسب الظّاهر، وإن كان في طيّاتها كثير من الغموض والآثار المدمّرة- فصارت الحركة النّسويّة رائجة في الكثير من المجتمعات، ومنها المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وبالتّالي تجد النّسويّة في المجتمعات الإسلاميّة تسعى بين الفينة والأخرى لمحاولة نقد الإسلام وأحكامه؛ لأنّها تزعم أنّ الأحكام الإسلاميّة فيها ظلم وتمييز ضدّ المرأة، وأنّه لا بدّ لها من أن تحرّر المرأة من تلك الأحكام الظّالمة.

من هنا حاولنا في هذا البحث أن نبيّن تاريخ نشوء الحركات النّسويّة، وأهمّ الشّعارات والقضايا التي ركّزت عليها، وآثارها السّلبيّة على المجتمع، ثمّ استعرضنا الشّبهات التي تذكرها على الإسلام، وحاولنا أن نجيب عليها عن طريق أسلوب التّأصيل الفكريّ.

فالبحث فعلاً يقع في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: النّسويّة الغربيّة

إنّ حركة النّسويّة إنّما انطلقت شرارتها من الغرب، ولذا حتّى نفهم هذه الحركة فهماً صحيحاً لا بدّ من أن نتطرّق إلى هذه بايات انطلاق هذه الحركة، والتَّطوّر الذي حصل فيها، ولأجل ذلك نوقع الكلام في عدّة نقاط:

النّقطة الأوّلى: المقصود من النّسويّة

مفهوم النّسويّة كغيره من المفاهيم المرتبطة بحركة المجتمع قد وقع الاختلاف في تعريفه، ولكنّ المحور المشترك بينها هو "الاعتراض على ما يُسمّى التّمييز ضدّ المرأة، والسَّعي لتحسين أوضاعها"[1]

ويمكن لنا أن نذكر ملامح الحركة النّسويّة بالتّالي: هي حركة فكريّة، سياسيّة، اجتماعيّة، متعدّدة الأفكار والتيّارات، تسعى للتّغيير الاجتماعيّ والثّقافيّ، وتغيير بُنى العلاقات بين الجنسَين؛ وصولاً إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجيّ، وتهدف إلى تقديم قراءات جديدة عن الدّين، واللغة، والتّاريخ، والثّقافة، وعلاقات الجنسين[2].

النّقطة الثّانية: تاريخ الحركة النّسويّة

تشكّلت الحركة النّسويّة كنتيجة لأهمّ توجّهَين فكريَّين ظهرا في الغرب، وهما الحداثة[3] واللّيبراليّة[4]، فالحداثة ظهرت كتوجّه فكريّ بعد الثّورة الصّناعيّة ضدّ سلطة الكنيسة، وهي تنكر أيّ اعتبار للسّنن الماضية، وتقوم بمحاربتها، وتدافع عن أيّ فكر حديث وجديد، فالحداثة ترى أنّ المعيار في كلّ الأمور هو حاكميّة العقل، فكلّ ما هو غير عقلانيّ في نظرها لا بدّ من أن يُحارب ويُزال.

ومن خلال الحداثة تولّدت اللّيبراليّة، وهي فلسفة شعارها الأساسيّ هو الفرديّة، وترى أنّ المعيار للحصول على الحقوق المدنيّة هو الإنسانيّة فقط، فالإنسان باعتباره فرداً هو محطّ القيمة والاحترام، وهو المعيار للقيم الأخلاقيّة، فالأمر الحسن هو الذي يحبّه الإنسان بصفته فرداً.

وتفرّعت على ذلك نتائج متعدّدة، كمبدأ الحرّيّة الفرديّة الشّخصيّة، وحرّيّة الفكر، وحرّيّة الإعلام، وحرّيّة المجتمع، فالفرد بنظرها لا بدّ من أن يتمتّع بالحرّيّة الكاملة. 

وكذلك مبدأ الملكيّة، بمعنى أنّ الإنسان يملك جسماً، وقدرات، وعملاً، ومردوداً ماليّاً، فهذه كلّها ملك للإنسان، ولا تتعلّق بالله أو المجتمع أو الحكومة.

من هنا تهيّأت الأرضيّة لتشكيل الحركة النّسويّة للمطالبة بحقوق المرأة وإنصافها، ورفع الظّلم والتّمييز الحاصل ضدّها، وقد أخذت الحركات النّسويّة شعاراتها من اللّيبراليّة، فهي متأثّرة بتعاليم اللّيبراليّة غاية التّأثّر، بل أصبحت قيم اللّيبراليّة عبارة عن أسلحة تحارِب بها النّسويّة؛ لتصل إلى أهدافها.

ويُعتبر كتاب الكاتبة (ماري وولستون كرافت) الذي ألّفته عام 1792م بعنوان (دفاعاً عن حقوق المرأة)، هو أوّل منشور حول النّسويّة باللّغة الإنجليزيّة، واعتبِر نقطة البداية للفكر النّسويّ، وصار يُسمّى بإنجيل النّظريّة النّسويّة، وقد انتقدت فيه الكاتبة نظرة التّحقير تجاه المرأة من قبل المفكّرين المعاصرين لها، وبالأخصّ (جان جاك روسو)[5]، وطالبت ببسط مبادئ اللّيبراليّة لتشمل المرأة، من هنا تقول الأبحاث والدّراسات إنّ تاريخ النّسويّة بدأ مع نشر هذا الكتاب[6].

والملاحظ أنّ الحركة النّسويّة مرّت بمراحل متفاوتة في الشّدّة والضّعف، وفي النّشاط والخمول، يمكن ذكرها موجزاً في التّالي:

المرحلة الأولى: (٢٩٧١ / ٠٥٨١م إلى ٠٢٩١م)

وكانت المطالبات الأساسيّة في تلك المرحلة -المتأثّرة بالحداثة واللّيبراليّة- تتمحور حول تبديل الزّيّ النّسائيّ ليتناسب مع نشاطات النّساء، ومنحهنّ حقّ الطّلاق، والحضانة، والملكيّة، وحقّ التّصويت للنّساء في الشّأن السّياسيّ العامّ، وقد حقّقن -فعلاً- كثيراً من هذه المطالبات في تلك الحقبة. 

ولكن بعد تحقيق هذه المطالب أصاب الحركة النّسويّة نوع من الخمول على مدى أربعين عاماً (من 1920م إلى 1960م)، بحيث لم يَعُد يُسمع صوت للحركة النّسويّة؛ وذلك بسبب كثرة الانقسامات والمشاكل التي حصلت داخل الحركة النّسويّة، ففي خلال هذه الأربعة عقود -وبعد حصول المرأة على حقّ التّصويت- لم تستطع النّسويّة  تحقيق تطلّعاتها، وكأنّما اعتبرت الوصول لحقّ التّصويت هو الهدف والغاية القصوى، بحيث كان ذلك محلّ رضا النّساء، ممّا أدّى إلى انحسار موجة اعتراضهنّ. 

المرحلة الثّانية: (١٩٦٠م إلى ١٩٨٠م)

بعد تلك الفترة من الرّكود في الحركة النّسويّة حصلت قفزة جديدة في النّشاطات النّسويّة؛ وذلك بسبب التّغييرات التي حصلت في وضع المرأة جرّاء مشاركتها في الشّأن السّياسيّ، والتّغييرات الاقتصاديّة التي أدّت إلى زيادة فرص العمل للنّساء، وبسبب بروز بعض النّظريّات السّياسيّة الاجتماعيّة الجديدة مثل (الماركسيّة الجديدة)[7] و(اللّيبراليّة الجديدة)[8]، فكلّ ذلك أدّى إلى وجود مطالبات نسويّة أكثر من السّابق، كالمطالبة بتمثيل متكافئ في المؤتمرات والإدارات العامّة، والمطالبة برفع التّمييز الوظيفيّ بين الرّجال والنّساء والّذي من ضمنه اختلاف الأجور.

وهنا بدأ تشكّل المجموعات والمنظّمات المختلفة للنسويّة، وزادت الاختلافات والتّناقضات بين النّساء، بل حصلت الانقسامات داخل نفس المنظّمات النّسويّة، ممّا أدّى إلى خمول الحركة النّسويّة مجدّداً من عام 1973م إلى عام 1980م.

المرحلة الثّالثة: (١٩٨٠م إلى الآن)

هذه المرحلة الثّالثة هي التي نعاصرها، ولذا هي ذات أهمّيّة بالنّسبة إلينا، وتعرف بـ‍(نسويّة ما بعد الحداثة)؛ لأنّها تأثّرت بنظريّات نقديّة جديدة مثل: (ما بعد الحداثة)[9]، (والتّفكيكيّة)[10] وغيرها. وتتّسم هذه المرحلة بتشكيل نسويّات متنوّعة، مثل: النّسويّة السّوداء، النّسويّة المثليّة، النّسويّة الأسريّة، النّسويّة البيئيّة، وإلى آخره، وكذلك تتّسم هذه المرحلة بتركيز النّشاط في المؤسّسات الثّقافيّة والجامعيّة، وزيادة نشر الكتب والمقالات، والانتقادات لماهيّة الذّكوريّة، والسّعي لمنح العلوم طابعاً نسويّاً. 

ولذا كان من المهمّ أن نبحث حول الاتّجاهات التي تشكَّلت في هذه المرحلة بشكل أوسع؛ حتّى نتعرّف على أسسها الفكريّة، وهذا ما سنفعله في النّقطة الآتية.

النّقطة الثّالثة: الاتّجاهات النّسويّة

مع مضي الزّمان واتّساع الرّقعة الجغرافيّة للنّسويّة بدأت تتشكّل الاتّجاهات المختلفة للنّسويّة، بحيث وصل الحدّ من التّنوّع والاختلاف إلى عدم القدرة على اعتبارها منهجاً منسجماً وفكراً واحداً، بل صارت أشبه بالنّسويّات المتعدّدة؛ كالنّسويّة اللاسلطويّة، والنّسويّة الوجوديّة، والنّسويّة الإلغائيّة، ونسويّة الاختلاف، ونسويّة العالَم الثّالث، والنّسويّة الأسريّة، والنّسويّة الرّاديكاليّة، والنّسويّة التّحليليّة، والنّسويّة البيئيّة، والنّسويّة الاشتراكيّة، ونسويّة السّود، والنّسويّة الثّقافيّة، والنّسويّة الليبراليّة، والنّسويّة الماركسيّة، والنّسويّة المسيحيّة، وهكذا بحيث يشبه البحث فيها البحث في شبكة متشابكة جدّاً يصعب تصنيفها في إطار شامل لها.

ومن هنا سوف نقتصر في الكلام على أهمّ اتّجاهَين من الاتّجاهات النّسويّة، والذي له تأثير واسع النّطاق على المجتمعات اليوم، وهما الاتّجاه النّسويّ اللّيبراليّ، والاتّجاه النسويّ الرّاديكاليّ.

الاتّجاه الأوّل: الاتّجاه النسويّ اللّيبراليّ

وهو أوّل اتّجاه نسويّ برز في المجتمع، وقد كان حاضراً في جميع المراحل الثّلاثة التّاريخيّة للنّسويّة التي ذكرناها، فهذا الاتّجاه يعتبر أشهر أشكال الفكر النّسويّ، وغالباً ما تُعرَّف النّسويّة كمرادف للنّسويّة اللّيبراليّة[11].

النّسويّة اللّيبراليّة هي محلُّ قبولٍ عند كثيرٍ من النَّاس؛ وذلك نتيجةً لموافقتها للثّقافة والأخلاق الأمريكيّة؛ باعتبار أنّها استمدَّت أصولها من اللّيبراليّة، ولما لديها من نظريّات قد تكون معتدلة بالمقارنة مع الاتّجاهات الأخرى.

الاتّجاه الثّاني: الاتّجاه النّسويّ الرّاديكاليّ

وهو يعتبر الاتّجاه المتطرِّف في الحركة النّسويّة، فالنّسويّة الرّاديكاليّة انبثقت من التّغييرات الثّوريّة الرّاديكاليّة في ستّينات القرن العشرين في أمريكا، وأغلب مؤيّديه من النّساء البيض وممّن حصلن على تعليم جامعيّ، وقد انتقدت النّسويّة الرّاديكاليّة الاتّجاهات النّسويّة الأخرى، وسعت لطرح نظريّات جديدة في الفكر النسويّ، وهي لتطرّفها قد لا تكون محلّ قبول عامّة النّاس، إلّا أنّ صراحتها وشفافيّتها أعطتها الشّهرة الأكبر من بين الاتّجاهات النّسويّة الأخرى.

النّقطة الرّابعة: أهمّ القضايا النّسويّة

الاتّجاهات النّسويّة قد تختلف عن الأخرى في بعض الأمور الفكريّة، بل قد تكون بينها فوارق شاسعة، ولكن توجد قضايا أساسيّة ومحوريّة تناولتها كلّ الاتّجاهات النّسويّة وإن اختلفوا في نظرتهم لهذه القضايا، فكلّ الاتّجاهات النّسويّة تناولت مسائل وقضايا مثل: أسباب الظّلم الواقع على المرأة في المجتمع، والأسرة، ومبدأ المساواة والاختلاف، والسّياسة، والأخلاق، وغيرها من الأمور والقضايا، ولكنّ نظرتهم وتحليلهم لهذه القضايا قد تختلف بين كلّ اتّجاه وآخر.

فمثلاً: أغلب النّسويّات تتكلّم حول قضيّة الأسرة؛ باعتبار أنّ الأسرة هي مكان فصل المهامّ والمسؤوليّات، وباعتبار أنّها المنشأ لأهمّ دور للنّساء وهو الأمومة، ولكن هنا نجد أنّ بعض الاتّجاهات النّسويّة تطالب بإجراء إصلاحات على الأسرة، والأخرى تطالب بهدم الأسرة، وهكذا.

من هنا يمكننا أن نفرز هذه الأمور والقضايا الأساسيّة بحسب نظرة كلّ اتّجاه نسويّ، مع عدم الغفلة عن أنّ في كثير من الأحيان يصعب تشخيص الاتّجاه النّسويّ المتناوِل لهذه القضيّة بالخصوص؛ وذلك بسبب تداخل كثير من المسائل والقضايا بين هذه الاتّجاهات، وقلنا سابقاً إنّ تركيزنا سيكون على الاتّجاهَين اللّيبراليّ والرّاديكاليّ فقط.

القضيّة الأولى: قضيّة ظلم المرأة

كلّ الاتّجاهات النّسويّة تناولت قضيّة ظلم المرأة، والتّمييز بينها وبين الرّجل، ولكن كتحليل لهذه القضيّة ترى النّسويّة اللّيبراليّة أنّ السّبب في ظلم المرأة هو القوانين المتحيّزة لصالح الرّجل؛ حيث إنّ العديد من النّساء حُرمنَ من الحقوق في المجتمع المدنيّ، فلذلك هي تطالب بـ (المساواة الحقوقيّة) بين الرّجل والمرأة؛ باعتبار أنّهما متساويان في العقل والإنسانيّة، وهما المعيار في نيل الحقوق، والحال أنّ نيل هذه الحقوق بالتّساوي لا يتمّ إلّا من خلال مشاركة النّساء في المجال العامّ والسّياسة؛ وذلك من أجل سنّ القوانين المؤدّية إلى المساواة.

بينما ترى النّسويّة الرّاديكاليّة أنّ السّبب في ظلم المرأة هو ما يسمّى بـ (النّظام الأبويّ)الذي تقع النّساء فيه تحت سلطة الرّجال، فالرّجل نفسه هو عدوّ المرأة الأوّل، فلذلك هي تطالب بالانفصال عن النّظام الأبويّ في كلّ المجالات؛ سواء المجالات الخاصّة أم العامّة، وكذلك تطالب بتأسيس مؤسّسات خاصّة بالنّساء، وتطالب بالمثليّة الجنسيّة، وغيرها من المطالب التي تصبّ نحو الانفصال التّامّ عن الرّجال.

القضيّة الثّانية: قضيّة الأسرة والأمومة

تعتبر الأسرة في نظر النّسويّات هي صاحبة التّأثير المصيريّ على حياة المرأة؛ باعتبار أنّ الأسرة هي مكان فصل الأدوار بين الرّجال والنّساء؛ حيث أصبحت النّساء تتولّى (الدّور الخاصّ) وهو المتعلّق بشؤون الأسرة، والرّجال يتولّون (الدّور العامّ) وهو المتعلّق بالسّياسة والاقتصاد وإدارة المجتمع، ومن هنا حُرمت النّساء من مزاولة حياتها ودورها في المجال العامّ، ولأجل ذلك تناولت الحركات والاتّجاهات النّسويّة موضوع الأسرة بشكل كبير، واختلفوا في تحليلاتهم ونظرتهم للأسرة والأمومة.

فالنّسويّة اللّيبراليّة توافق على وجود أصل الأسرة وعلى مبدأ الأمومة، ولكنّها ترى بأنّ قَصر عمل المرأة في المنزل هو العامل الأساسيّ لتبعيّة النّساء للرّجال، فلذا يُطالِبن بإصلاحات داخل نظام الأسرة وليس هدمها، ويتمّ ذلك عن طريق توزيع الأدوار في الأسرة، وعدم كون مهامّ الأسرة مقصورة على المرأة. 

وكذلك تؤكّد النّسويّة اللّيبراليّة على أنّ الأمومة ينبغي أن تكون من اختيار النّساء، ولا تُفرض عليهنّ فرضاً، ومن هنا قالوا إنّ للمرأة الحقّ في إجهاض جنينها، وليس لأحد أن يمنعها عن هذا الحقّ.

بينما النّسويّة الرّاديكاليّة ترى أنّ الأسرة هي الوسيلة الأساسيّة التي يتّخذها الرّجال لظلم النّساء عن طريق الاستعباد الجنسيّ والإكراه على الأمومة، ولا ترى أيّ فائدة تعود على المرأة من خلال الحياة الأسريّة، بل الأسرة دائماً ما تُدمِّر المرأة. من هنا تطالب النّسويّة الرّاديكاليّة بإلغاء الأسرة واستبدالها بعلاقات أكثر انفتاحاً، وذلك عن طريق فتح حرّيّة الاختيار في تكوين علاقات جنسيّة حميميّة مع من تريد، سواء مع الجنس الآخر [الزّنا] أم مع نفس الجنس (اللّواط والمساحقة).

وأمّا بالنّسبة للأمومة فهي أيضاً بنظر النّسويّة الرّاديكاليّة منشأ لظلم النّساء وتبعيّتهنّ، بل ترى (سيمون دي بوفوار)[12] ألّا وجود لغريزة الأمومة لدى النّساء[13]، وترى أخريات أنّ مجرّد نموّ الجنين في جسد المرأة لا يعني أنّ مسؤوليّة رعايته بعد الولادة تكون على عاتق المرأة، بل يمكن أن تكون هذه المسؤوليّة على عاتق المؤسّسات الاجتماعيّة، بل حتّى أصل تكوّن الجنين يمكن أن يُمنح -مع تطوّر العلوم الطّبيّة- للمختبرات بدلاً عن جسد المرأة!!

القضيّة الثّالثة: قضيّة المساواة بين الجنسين

مبدأ المساواة بين الجنسين تشكَّل في الحقيقة تحت تأثير تعاليم اللّيبراليّة؛ إذ يقولون إنّ العقل يمثّل المعيار لشرف الإنسان وعلوّ مقامه مقارنة بسائر الموجودات، وبما أنّ العقل قد قُسِّم بين البشر بشكل متساوٍ، وليس للفروقات الجسديّة -كلون البشرة، والقوميّة، والجنس- أيّ تأثير على القدرات العقليّة للبشر، فبالتّالي لا بدّ من أن تحظى المرأة بحقوق متساوية مع الرّجل.

من هنا صار لزاماً على النّسويّة أن توضّح رأيها بالنّسبة للاختلافات الموجودة بين الرّجل والمرأة، وبناءً على ذلك فقد انقسمت النّسويّة إلى قسمين: 

القسم الأوّل: نسويّة المساواة، وهي التي تنكر وجود الاختلافات الحقيقيّة والجوهريّة بين الجنسين، وترى أنّ هذه الاختلافات الموجودة فعلاً إنّما هي صنيعة الثّقافة والآداب والعادات وأساليب التّربية، وهي نتيجة لتعاليم خاطئة من قبل المؤسّسات الاجتماعيّة أو نتيجة لحرمان النّساء من التّعليم الصّحيح، وأنّ هذه الاختلافات المصطنعة تعتبر نقطة البداية والعذر المستمرّ لحرمان النّساء من المميّزات التي امتاز بها الرّجال. 

فهذه الفئة من النّسويّة في الواقع أنكرت الاختلافات من أجل تبرير موقفها في المساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة.

القسم الثّاني: نسويّة الاختلاف، وهي تعترف بوجود اختلافات حقيقيّة وجوهريّة بين الجنسين، ولكنّها تدّعي أنّ النّساء تمتلك صفات أرقى من صفات الرّجال، كصفة التّعاون واللطف والصّلح والإيثار وغيرها، فلا ينبغي التّسبّب في زوال هذه الخصائص الأنثويّة القيّمة، بل على المرأة أن تدخل في كلّ المجالات -السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة- لأجل أن تنشر هذه الخصائص القيّمة في أنحاء المجتمع. 

وبناءً على ذلك ترى نسويّة الاختلاف أنّ تطبيق قوانين متساوية بين الرّجل والمرأة يُعتبر ظلماً في حقّ النّساء، فلا بدّ في البداية من إقرار بعض القوانين التي تصبّ في مصلحة النّساء؛ ليزول تدريجيّاً بعد ذلك الفارق بين الجنسين، ثمّ بعد استقرار الظّروف يمكن أن تكون قوانين المساواة مفيدة وعادلة. هذا بالنّسبة لغير النّسويّة الرّاديكاليّة. 

أمّا النّسويّة الرّاديكاليّة فتعتقد -تبعاً لـسيمون دي بوفوار- أنّ هناك فرقاً بين الجنس وبين الجنوسة (الجندر)[14]، فالاختلافات البيولوجيّة في البنية والتي هي غير قابلة للتّغيير تسمّى (الجنس)، بينما الاختلافات الاجتماعيّة فتسمّى (الجنوسة / الجندر)، وهذه الاختلافات الاجتماعيّة إنّما أتت من تأثير الثّقافة والمجتمع والتّعليم، فهي تتغيّر بتغيير العوامل، فالجنوسة مسألة ثقافيّة مرتبطة بتصنيف المجتمع إلى مذكّر ومؤنّث. 

وبعبارة أخرى: المرأة والرّجل جنسان مختلفان من النّاحية البيولوجية، ولكن لا يلازمهما معنى الأنوثيّة والذّكوريّة؛ لأنّ الأنوثيّة والذّكوريّة مجرّد أدوار اجتماعيّة صنعتها ثقافة المجتمع والتّعليم، وبالتّالي يمكن أن يكون دورٌ معيّن في مجتمع من المجتمعات هو دور أنوثيّ، وفي مجتمع آخر هو دور ذكوريّ، أي يمكن للمرأة في مجتمع من المجتمعات أن تأخذ الأدوار الذّكوريّة، ويمكن للرّجل في مجتمع من المجتمعات أن يأخذ الأدوار الأنوثيّة، ولا تلازم بين المرأة والأنوثيّة، ولا بين الرّجل والذّكوريّة[15].

من هنا وَجدت النّسويّة الرّاديكاليّة مبرّراً للمطالبة بالمساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة؛ ما دامت الأدوار الاجتماعيّة غير مرتبطة بجنس الرّجل والمرأة.

القضيّة الرّابعة: قضيّة المشاركة السّياسيّة

فيما يرتبط بالسّياسة، فإنّ النّسويّة اللّيبراليّة ترى ضرورة مشاركة النّساء في الشّأن السّياسيّ؛ لأنّ هذا يؤدّي إلى زوال الفوارق القانونيّة بين الرّجل والمرأة تدريجاً وبشكل تلقائيّ من خلال فعاليّة المرأة في الشأن العامّ.

بينما النّسويّة الرّاديكاليّة ترى أنّ المساواة القانونيّة لن تؤدّي إلى المساواة السّياسيّة، وترى أنّ المشكلة الأساس تكمن في فصل المجال الخاصّ (أدوار المنزل) عن المجال العامّ (الشّؤون العامّة)، وبما أنّ الرّجال في الواقع يسيطرون على النّساء في كلا المجالين (العامّ والخاصّ)، فبالتّالي لا بدّ من توسيع حدود السّياسة بحيث تشمل كافّة جوانب الحياة بما في ذلك الجانب الخاصّ، ويتمّ ذلك عبر الإتيان بتعريف جديد للسّياسة وهو: "السّياسة تعني العلاقات المبنيّة على السّلطة والهرميّة التي تحكم من خلالها مجموعةٌ من الأفراد مجموعةً أخرى"، وبالتّالي تشمل السّياسة حتّى العلاقات الخاصّة بين الجنسين.

وبناءً على ذلك ترى النّسويّة الرّاديكاليّة بأنّه ينبغي تعريف المجالين (العامّ والخاصّ) بتعريف خالٍ عن أيّ نوع من الاعتبار الجنسيّ، بمعنى أنّه لا ينبغي اعتبار هذين المجالين على أنّ أحدهما ذكوريّ والآخر أنثويّ، بل هما مجالان مشتركان؛ تبعاً لنظرية الجندر، فكلاً من الرّجال والنّساء مساهمين في هذين المجالين (الخاصّ والعامّ) بنحو متساوٍ[16].

القضيّة الخامسة: قضيّة الأخلاق النّسويّة

فيما يرتبط بالأخلاق، فبما أنّ النّسويّة اللّيبراليّة تتبع التعاليم اللّيبراليّة فهي تقبل بالأخلاق التقليديّة؛ كالمحبّة، والعاطفة، والإيثار، والتّفاني، وغيرها، وتطالب بالحقوق الفرديّة والمساواة كما قلنا.

بينما النّسويّة الرّاديكاليّة فهي تعتبر أنّ هذه الصّفات المذكورة في الحقيقة هي صفاتٌ قد روّج لها الرّجال في النّظام الأبويّ بهدف إحكام سلطتهم على النّساء واستغلالهنّ[17]، وبالتّالي فالنّسويّة الرّاديكاليّة ترى أنّ القيم الأخلاقيّة ومراحل التّكامل الأخلاقيّ النّسائيّ تختلف عمّا لدى الرّجال، فمن غير الصّحيح تقييم النّساء وفق المعايير الذّكوريّة، ويسمّون الأخلاق التقليديّة بـ (أخلاق العدالة) وهي غير مقبولة عندهم، ويسمّون الأخلاق المرتبطة بالأنوثة بـ (أخلاق المسؤوليّة) وهي المقبولة عندهم.

ومن هنا تطرح النّسويّة الرّاديكاليّة مجموعة من المفاهيم الأخلاقيّة المغايرة للأخلاق التّقليديّة، منها:

أوّلاً: المسؤوليّة مقابل العدالة، فليس المعيار في الحكم الأخلاقيّ هو العدالة والإنصاف، بل المعيار هو المسؤوليّة المتوجّبة عليهنّ كنساء تجاه احتياجات الآخرين وحمايتهم من الأذى.

ثانياً: الجمعيّة ضدّ الفرديّة، فليس الأساس في الأخلاق هو الحقوق الفرديّة كما تقول النّسويّة الليبراليّة، بل الأساس هو حفظ العلاقات الجماعيّة والرّوابط المرغوبة من الضّرر.

ثالثاً: العاطفة مقابل العقل، فليس العقل هو المحور الأصليّ للقرارات الأخلاقيّة حتّى تُتّهم النّساء بالضّعف الأخلاقيّ بسبب الضّعف العقليّ، بل العامل الأساسيّ في الأخلاق هو العاطفة والشّعور بالشّفقة والرّحمة تجاه الآخرين، فالأمر الأخلاقيّ هو المتضمّن للشّعور بالشّفقة والرّحمة للآخرين، وليس الأمر الأخلاقيّ عبارة عن مفردات عقليّة.

رابعاً: الموقفيّة مقابل الشّموليّة، بمعنى أنّ القيم الأخلاقيّة ليست مبادئ كلّيّة مجرّدة عن الواقع؛ لأنّ المبادئ الكلّيّة أمور مبهمة، لا يمكن للفرد أن يقرّر فيها ما هو الأمر العادل وغير العادل. بل الحكم الأخلاقيّ لا بدّ من أن يلاحَظ فيه موقف الفرد وتجربته وظروفه التي يعيشها. 

ولتوضيح ذلك نذكر هذا المثال: فيما يتعلّق بحقّ الإجهاض مثلاً، إن جئنا إلى أصحاب الأخلاق التقليديّة والذين يبنون على المبادئ الأخلاقيّة الكلّيّة المجرّدة عن الواقع، نجدهم يمنعون من حقّ الإجهاض؛ وذلك لأنّ الإجهاض يخالف المبادئ الأخلاقيّة الكلّيّة، كالمفهوم العامّ للإنسان، أو المفهوم العامّ لحقّ الحياة. ولكن هذا التّقييم غير صحيح في الحكم الأخلاقيّ، بل الصّحيح هو ملاحظة الظّروف التي تسوق المرأة نحو عمليّة الإجهاض، والمشاكل والظّروف الصّعبة التي تواجهها خلال رعاية الطّفل، وأمثال ذلك، وثمّ على إثر ذلك ينبغي إصدار الحكم الأخلاقيّ، لا أنّه يتمّ إصدار الحكم الأخلاقيّ من دون النّظر إلى الواقع والظّروف.

وهنا لا بدّ من أن نلتفت إلى هذه الملاحظة: وهي أنّ النّسويّة اللّيبراليّة وإن كانت تقبل ببعض الأخلاق التّقليديّة وتقول بالعدالة والمساواة والحقوق الفرديّة، ولكنّها أيضاً في نفس الوقت تطالب بحقّ الإجهاض والمثليّة الجنسيّة كما تقدّم، ولكن لا بالمبرّرات السّابقة المتقدّمة عن الرّاديكاليّة، بل باعتبارهما حقّاً للمرأة للتّحكّم بالخصوبة، وأنّ المرأة مسلّطة على جسدها، وأنّه يحقّ لها أن تختار أيّ نوع من العلاقة الجنسيّة.

والخلاصة: إنّه في الموجة الأخيرة للنّسويّة لم يعدّ الكلام كثيراً عن أنّ الصّفات والأخلاق النّسائيّة هي صفات مصطنعة، بل صار التّركيز على أنّ هناك صفات أخلاقيّة مختلفة بالنّسبة للجنسين، وذلك بالاستعانة بمذهب الذّاتيّة، ثمّ مُنحت الصّفات الأخلاقيّة النّسائيّة قيمة وأوّلويّة استثنائيّة على صفات الرّجال.

هذا فيما يرتبط بأهمّ القضايا التي تناولتها النّسويّة في الغرب، وقد ركّزنا عليها باعتبار أنّها تعطينا صورة واضحة عن نمط التّفكير النّسويّ الغربيّ، والّذي له انعكاسات كبيرة على سائر المجتمعات في العالم.

النّقطة الخامسة: آثار الحركة النّسويّة في المجتمعات الغربيّة

أثّرت الحركة النّسويّة على المجتمعات الغربيّة تأثيراً سلبيّاً في كثير من المجالات، خصوصاً فيما يرتبط بالأسرة والأمومة، ومن بعض هذه التّأثيرات[18]:

الزّيادة الهائلة في ارتباط النّساء بالرّجال من دون رابطة رسميّة.

اعتياد النّاس على الزّنا التي يعبرون عنها بالخيانة الزّوجيّة، بحيث لم يعدّ ذلك يشكّل جرماً خطيراً.

الزّيادة فيما يسمّى بعائلة الوالد المنفرد، أي تربية الأولاد من قَبل أحد الوالدين فقط، وغالباً ما تتولّى النّساء ذلك.

الزّيادة الرّهيبة في نسبة الطّلاق.

الزّيادة في نسبة الدّعارة والإباحيّة الجنسيّة.

الزّيادة في أعداد المواليد من دون أب، والمواليد غير الشّرعيّة.

زيادة نسبة ترك الأطفال في مؤسّسات التّبنّي والرّعاية.

زيادة نسبة إجهاض الأجنّة، بل وشرعنة ذلك قانوناً.

إلغاء دور الأب في الأسرة.

الاتّجار الجنسيّ أو الاستغلال الجنسيّ للأطفال من الجنسين.

زيادة عدد جرائم الأحداث والمراهقين، والاعتداء الجنسيّ، والمخدرّات.

التّعرّي الفاضح، والزّيادة الفاحشة في نسب التّحرّش بالنّساء.

النّقص السّكّاني في بعض الدّول؛ نتيجة كثرة حالات الإجهاض، ورفض النّساء فكرة الإنجاب أصلاً.

تشريع الشّذوذ الجنسيّ، وإصدار قوانين تعترف بتكوين الأسرة لمثليّي الجنس.

فقدان التّوازن لدى المرأة بسبب إنكارها حاجاتها الفطريّة، في قبال عجزها عن القيام بأدوار الرّجل الفطريّة[19].

تسليع المرأة وتشييئها، بحيث تمّ استغلال جسد المرأة وإقحامها بصور عارية في لوحات الدّعايات لترويج البضائع[20].

التّعديل على نصوص الكتب المقدّسة، فقد أَخضعت النّسويّةُ الكتبَ المقدّسة إلى الدّراسة والنّقد، وطالبت بإعادة صياغة الكتب المقدّسة بحيث يتمّ تغيير المصطلحات والضّمائر المذكّرة إلى مصطلحات وضمائر محايدة، والغريب في الأمر أنّ الكنيسة استجابت لتلك الضّغوط والمطالب، فأصدرت طبعة جديدة من العهد القديم والجديد أُطلق عليها اسم (الطّبعة المصحّحة) في عام 1994م[21].

إذاً، هذه مجموعة من الآثار المدمّرة للمجتمع، جاءت كنتيجة حتميّة لنظريّات النّسويّة المتقدّمة في شتّى القضايا، ونتيجة لابتعاد الإنسان عن الأحكام الإلهيّة، والمفترض أنّ أيّ عاقل يرى مثل هذه الآثار الخطيرة فإنّه ينفرُ تلقائيّاً ويبتعد عن مثل هذه الشّعارات والتّيّارات، ولكنّ البريق الإعلاميّ لهذه التيّارات -للأسف- قد شوّش الصّورة عند كثير من النّاس، فأدّى ذلك إلى تغلغل هذه الشّعارات والقضايا داخل مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة، وهذا ما سنبحثه في المقام التّالي.

المقام الثّاني: النّسويّة العربيّة والإسلاميّة

لقد تغلغلت شعارات وتعاليم النّسويّة إلى بلداننا العربيّة والإسلاميّة بشكل كبير، ممّا يستدعي منّا الالتفات والانتباه لهذه الموجة الدّخيلة والغريبة على مجتمعاتنا، ومحاولة التصدّي لها ولآثارها المدمّرة، ومن هنا سوف يقع الكلام في هذا المقام في مجموعة من النّقاط أيضاً.

النّقطة الأولى: بداية تشكّل النّسويّة العربيّة

بدأت تعاليم النّسويّة تتغلغل في أوساط المجتمع العربيّ بعد عصر النّهضة، حيث كثر اختلاط العرب بالأوربّيين، وبدأوا يدرسون في جامعاتهم بشكل أكبر، فانبهروا بتلك التّعاليم وحاولوا أن يحملوها إلى المجتمعات العربيّة، ولكن لم يكن للنّسويّة انتشار واضح في تلك الفترة، ويمكن القول بأنّ النّسويّة برزت في المجتمعات العربيّة بشكل واضح في خمسينات القرن العشرين، بعد أن تحرّرت الدّول العربيّة من الاستعمار ظاهراً، وبدأت ظاهرة ترجمة الكتب الغربيّة الفكريّة والفلسفيّة، وقد كثرت حالة التّرجمة في مصر، ممّا جعل انتشار النّسويّة يبدأ من مصر، ثمّ انتشر في أصقاع البلاد العربيّة الأخرى[22].

فقد تُرجم كتاب (الجنس الآخر) لسيمون دي بوفوار، وكتاب (أصل العائلة والملكيّة الخاصّة للدّولة) لفريدريش أنجلز، وكتاب (لينين والمرأة) ترجمة زينب نبوة، وكتاب (الثّورة الجنسيّة) لبالوش هورفارت، وكتابا (الحبّ والحضارة) و(نحو ثورة جديدة) لهربرت ماركوز، وكتاب (الاشتراكيّة والمرأة) ترجمة جورج طرابيشيّ[23].

النّقطة الثّانية: أهمّ شعارات النّسويّة العربيّة

يمكننا القول إنّ النّسويّة العربيّة هي نسخة أخرى من النّسويّة الغربيّة؛ حيث إنّ شعاراتها هي ذات شعارات النّسويّة الغربية، ولذا في الحقيقة لا توجد نسويّة عربيّة ذات فكر مستقل، بمعنى أنّ النّسويّة العربيّة لم تأتِ بنظريات جديدة وإبداعيّة، بل كلّ ما لديها هو من جعبة الغرب، وإليك بعض النّماذج:

ترى نوال السّعداويّ[24] أنّ الفوارق بين المرأة والرّجل ناجمة عن ثقافة ذكوريّة وُجدت امتداداتها على طول التّاريخ، وبالتّالي لا فوارق حقيقيّة بين المرأة والرّجل، كما ترى أنّ أصل الأمومة والأبوّة طارئة، وتطالب بتبديل جذريّ للعلاقات بين الجنسين[25].

وهذا كما نلاحظ هو عين كلام النّسويّة الغربيّة، خصوصاً النّسويّة الرّاديكاليّة الذي تقدّم.

فاطمة المرنيسيّ[26] تطالب بالمساواة المطلقة بين المرأة والرّجل[27].

وهذا أيضاً كما نلاحظ أحد أهمّ شعارات النّسويّة الغربية، خصوصاً النّسويّة اللّيبراليّة.

عقدت مجموعة من المؤتمرات النّسويّة في الدّول العربيّة، وقد قاموا بنقد آيات القرآن الكريم، ويدّعون أنّ القرآن متحيّز للذّكور، حتّى قالت نوال السّعداويّ: "شعرت أنّ الله تحيّز للصّبيان في كلّ شيء"[28].

وهذا كما نلاحظ هو عين العمل الذي قامت به النّسويّة الغربيّة تجاه الكتب المقدّسة، بل ونفس الانتقاد الذي وُجّه تجاه تلك الكتب.

إذاً، هذه وغيرها من المطالبات إنّما جاءت من قبل الغرب بحذافيرها، فالنّسويّة العربيّة مقلِّدة تماماً لما عند النّسويّة الغربيّة من دون الإتيان بجديد.

النّقطة الثّالثة: شبهات النّسويّة على الأحكام الإسلاميّة

بما أنّ أغلب المجتمعات العربيّة التي انتشرت فيها تعاليم النّسويّة هي مجتمعات مسلمة، فمن الطّبيعي أن يتوجّه نقد النّسويّة إلى تعاليم الإسلام وأحكامه، والذين يُشكِلون على تعاليم الإسلام وأحكامه في المجتمعات العربيّة على صنفين: 

الصّنف الأوّل: العلمانيّون الذين لا يقيمون وزناً للدّين في المجالات العامّة، سواء كانوا يحملون اسم الإسلام أم كانوا غير مسلمين. 

وهؤلاء يتفاوتون في شدّة وحِدّة هجومهم على الإسلام وتعاليمه. ومن أبرز هؤلاء: هدى شعراويّ[29]، وأمينة السّعيد[30]، ونوال السّعداويّ[31]، ومرقص فهمي[32]، وسلامة موسى[33]، وغيرهم.

الصنف الثّاني: العلمانيّون الّذين يحاولون التّوفيق والجمع بين الحداثة والأصالة، والّذين أُطلق عليهم اسم (الاشتراكيّة الإسلاميّة)[34].

ومن أبرز هؤلاء: فاطمة المرنيسيّ[35] التي تركّز أبحاثها على القرآن والسّنّة؛ لأجل أن تبيّن تعدّد وجهات نظر المؤرّخين والمفسّرين؛ لتثبت بذلك عدم فاعليّتها للتّطبيق في العصر الحاليّ، والقارئ لكتبها -كما يقال- كثيراً ما يحتار هل هي مع الإسلام أو ضدّه؛ وذلك لعدم وجود منهجيّة واضحة لها في تناول الدّين ونصوصه.

ومنهم أيضاً: محمّد شحرور[36]، الذي يعتمد على تفسير لغويّ للقرآن أشبه ما يكون باتّجاه الباطنيّة القدامى، يخلط بين معطيات علميّة معاصرة -كالمفهوم الرّياضيّ للحدود عند نيوتن- مع قواعد أصوليّة واجتهادات فقهيّة، في محاولة لإيحاء القارئ بعمق التّحليل الموجود في النّصّ.

وبالتّالي -في الواقع- لا توجد نسويّة تُنسب إلى الإسلام حقيقةً، بمعنى أنّه لا توجد -بحسب التّتبّع القاصر- مجموعة من النّساء تؤمن بالفكر الإسلاميّ وتطبّقه واقعاً، وتريد أن تدافع عن حقوق المرأة في ظلّ الإسلام. نعم، نظريّاً قد يوجد ما يسمّى بـ (النّسويّة الإسلاميّة) ولكنّها في الواقع لا ترى قيمةً للإسلام في أدبيّاتها.

ومنهم أيضاً: الطّاهر حدّاد[37]، الذي يرى أنّ أحكام الإسلام ليست ثابتة، بل هي نسبيّة ومتغيّرة، ويتحكّم فيها الزّمان. ثمّ إنّ هذا الكاتب قد يكون ممّن يؤمن بوجود ثابتٍ في الدّين، ولكنّ هذه المدرسة بطبيعة الحال تسعى دوماً لتوسعة دائرة المتغيّر على حساب الثّابت.

وعلى أيّ حال، فإنّ الشّبهات التي تردّدها النّسويّة العربيّة على الإسلام وأحكامه كثيرة جدّاً، منها ما هو مطروح منذ القدم، ومنها ما هو مطروح مؤخّراً، ونحن نشير إليها على نحو الإشارة فقط:

 شبهة قوامة الرّجل على المرأة. 

 شبهة جواز ضرب الزّوجة النّاشزة. 

 شبهة جواز تعدّد زوجات الرّجل. 

 شبهة نقصان ميراث المرأة عن ميراث الرّجل. 

 شبهة عدم تساوي المرأة مع الرّجل في الشّهادة. 

 شبهة أنّ الطّلاق بيد الرّجل دون المرأة. 

 شبهة أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل.

 شبهة تحيّز الخطاب القرآنيّ للذّكور. 

 شبهة أنّ الفقه والفكر الإسلاميّين أفكار معادية للمرأة.

 شبهة عدم الحرّيّة في عقد الزّواج بالنّسبة للمرأة.

شبهة عدم جواز تولّي المرأة للوظائف العامّة.

وغيرها من الشّبهات التي تحتاج إلى استقصاء وتتبّع، ونلاحظ هنا أيضاً أنّ جذور هذه الشّبهات تعود إلى تعاليم النّسويّة الغربيّة والتّي ذكرناها مفصّلاً سابقاً.

المقام الثّالث: معالجة شبهات النّسويّة

نحن في مقام الردّ على تلك الشّبهات يمكن أن نتّبع مجموعة من الأساليب:

الأسلوب الأوّل: نقد المباني الرئيسيّة للنّسويّة

وذلك بأن تتمّ مناقشة المباني التي تعتمدها النّسويّة في أطروحاتها ونظريّاتها، كاللّيبراليّة، والعلمانيّة، والاشتراكيّة، وكذلك نقد الفرديّة والمذهب الذّاتي مثلاً، وغيرها من المباني.

ولكنّنا هنا لن نتّخذ هذا الأسلوب في المناقشة والنّقد.

الأسلوب الثّاني: الردّ المفصّل على الشّبهات

وذلك بأن يكون الردّ والإجابة على كلّ شبهةٍ شبهة بشكل مستقلّ ومفصّل، وهذا الأسلوب أسلوب جيّد ونافع جدّاً، إلّا أنّه يحتاج إلى جهد كبير، ولا يسع المقام لمثل هكذا أسلوب. وهناك بعض الكتب قد أخذت منحى هذا الأسلوب، ككتاب (مقالات حول حقوق المرأة) للشّيخ محمّد صنقورB، وكتاب (نظام حقوق المرأة في الإسلام) للشّهيد مطهّريّO.

الأسلوب الثّالث: عرض الآثار المدمّرة للنسويّة

فلو تمّ عرض شعارات النّسويّة في الغرب، وما أدّت إليه هذه الشّعارات من دمار وإفساد في المجتمع، ويكون ذلك مشفوعاً بتقارير وإحصائيّات، فإنّ ذلك لوحده له الأثر الكبير في إعراض النّاس عن مثل هذه الشّعارات، فمجرّد عرض منطلقات النّسويّة -في حدّ ذاته- يؤدّي غرضاً نقديّاً؛ باعتبار أنّ ذلك يؤدّي إلى انكشاف فسادها، والفاسد لا يحتاج إلى إفساد غالباً.

ونحن ذكرنا شيئاً من آثار الشّعارات والقضايا النّسويّة على المجتمع، ممّا يتكفّل بصدّ المنبهر بتلك الشّعارات عن اتّباع تعاليم النّسويّة.

الأسلوب الرّابع: التّأصيل الفكريّ

فإنّ من أساليب المواجهة  النّافعة جدّاً -ولعلّه أنفعها- هو أسلوب التّأصيل الفكريّ، وذلك من خلال عرض الإسلام بصورته الشّاملة النّاصعة، وبيان حكمة تشريع الأحكام فيه، وآثاره الإيجابيّة على المجتمع، وقيَمه وتعاليمه السّامية. فهذا أسلوب نافع جدّاً، خصوصاً إذا تمّت المقارنة بين آثار الإسلام على المجتمع الإسلاميّ وبين آثار شعارات النّسويّة على المجتمع الغربيّ، من حيث تكوين الأسرة، وترسيخ الصّفات الفاضلة، كالتّراحم، والتّعاون، والإيثار، وقلّة الجرائم في المجتمع، وقلّة حالات التّحرّش والاغتصاب والإجهاض، وغيرها.

ونحن هنا نحاول أن نتطرّق لشيء من هذا القبيل لتعزيز جانب التّأصيل الفكريّ؛ لأنّ أغلب هذه الشّبهات ترجع لمحور أساسيّ، وهو عدم فهم المنظومة التّشريعيّة والحقوقيّة للإسلام فهماً صحيحاً. 

ولذا سوف نذكر مجموعة من النّقاط التي يمكن أن تكون معينة على فهم المنظومة التّشريعيّة والحقوقيّة لأحكام الدّين الإسلاميّ، وإن كان ما سنذكره على نحو الاختصار؛ لعدم مناسبة المقام للتّفصيل.

النّقطة الأولى: ما هو تعريف الدّين؟ 

ذكر علماؤناr تعريفات للدّين ترجع في حقيقتها لمصبٍّ واحد، ويمكن أن نختار منها ما ذكره العلّامة الجواديّ الآمليّB من أنّ الدّين عبارة عن: "مجموعة العقائد والأخلاق والقوانين التي جاءت لإدارة شؤون المجتمع البشريّ، وتربية الإنسان، فإذا كانت حقة سُمّي الدّين بالدّين الحقّ. وعليه: فإنّ الدّين الحقّ هو دين نزلت عقائده وقوانينه من اللهa، والدّين الباطل هو الذي جاء ووُضع ونُظّم من عند غير الله"[38].

إذاً، الدّين يتضمّن ثلاث أمور أساسيّة:

الأمر الأوّل: الاعتقادات، وهي التي تبحث عن أصول الدّين، من التّوحيد وما يرتبط بعالم الوجود، والعدل، والنّبوة، والإمامة، والمعاد.

الأمر الثّاني: القوانين، وهي التي تبحث عن فروع الدّين، من العبادات والمعاملات التي جاءت لإدارة شؤون المجتمع البشريّ.

الأمر الثّالث: الأخلاق، وهي التي تبحث عن الفضائل والرّذائل من الصّفات النّفسانيّة، والتّي ترشد الإنسان إلى ما فيه سعادته أو شقاوته.

النّقطة الثّانية: ما هو هدف الدّين؟

هدف الدّين هو أن يوصل الإنسانَ إلى السّعادة الحقيقيّة في الدّنيا والآخرة، وأن يوفّر للإنسان حياة طيّبة، هانئة، معتدلة.

وإذا جئنا إلى الدّين الإسلاميّ نجد أنّه لا يُغفِل ولا يُهمِل حاجة البدن ولا حاجة الرّوح، فالإسلام منظومة متكاملة؛ عباديّة وأخلاقيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة، وهي منظومة متناغمة متناسقة تؤدّي إلى تخريج إنسان متكامل، إنسان يتوفّر على أوضاع حياتيّة ناجحة وسعيدة، وتسير به إلى هناءة وسعادة الرّوح. 

والشّاهد على ذلك ما ورد في الآيات والرّوايات، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النّحل: 97 )، فالله سبحانه وتعالى يعد الإنسان بحياة طيّبة سعيدة بشرط أن يؤمن وأن يعمل صالحاً، يعني يلتزم بالإسلام وتعاليمه.

وورد عن رسول اللهe: «إنَّ من سعادة المرء المسلم أن يشبهه ولده، والمرأة الجملاء ذات دين، والمركب الهنيّ، والمسكن الواسع»[39]، فالنّبيّe يحثّ على تحصيل هذه الأمور الحسّيّة الّتي هي من السّعادة الدّنيويّة.

وكذلك ما ورد عن الإمام الصّادقg: «ثلاثة من السّعادة: الزّوجة المؤاتية، والولد البارّ، والرّزق يرزق معيشة يغدو على صلاحها ويروح على عياله»[40].

وبالتّالي نعرف بأنّه لا تعارض في الإسلام بين سعادة البدن وسعادة الرّوح، فإنّ سعادة البدن عبارة عن طريق مهيّء لسعادة الرّوح، ولكن بشرطها وشروطها، يعني لا ينبغي أن نغفل عن أنّ سعادة البدن في الإسلام عبارة عن وسيلة وطريق، بينما سعادة الرّوح هي الهدف؛ لأنّ الرّوح هي الباقية، وأمّا البدن فهو إلى زوال، وبالتّالي لا يصحّ منّا -كعقلاء- أن نسير في الطّريق ونتّخذ الوسيلة ثمّ ننقطع عن الهدف، لا يصحّ أن ننغمس في ملذّات الدّنيا ونغفل عن الهدف الأخرويّ.

ولكن إذا افترضنا وجود تعارض في بعض الموارد بين سعادة البدن وبين سعادة الرّوح، فأيّهما هو المقدّم؟ بلا شكّ ولا ريب -بعد الذي وضّحناه- تكون سعادة الرّوح هي المقدَّمة؛ لأنّها هي الهدف الأساس، ولذا ورد عن أمير المؤمنينg: «أسعد النّاس من ترك لذّة فانية للذّة باقية»[41]. فالعاقل لا يحتاج إلى مزيد تأمّل في تقديم أيٍّ من الخيارين؛ فإنّ سعادة الدّنيا لا تعادل شيئاً من سعادة الآخرة ولا تقاربه، فتلك سعادة زائلة، وهذه سعادة دائمة باقية.

النّقطة الثّالثة: التّكاليف الشّرعيّة

الطّاعات والتّكاليف فيها مشقّة وتعب، فيها كُلفة، ولذا سُمّيت بـ (التّكاليف الشّرعية)، وهي عبارة عن القوانين الإلهيّة التي تضمن للإنسان والمجتمع أن يصل إلى السّعادة الحقيقيّة؛ وذلك باعتبار أنّ الأحكام الشّرعيّة إنّما صدرت من الله تعالى، من خالق هذا الكون، من خالق الإنسان، صدرت من العالم بذرّات هذا الكون، العالم بما يصلح للإنسان وما لا يصلح له، صدرت من الحكيم الذي لا يشرّع أحكاماً جزافيّة وعبثيّة، وإنّما وراء كلّ حكم من الأحكام ملاكٌ محدّد، من مصلحة أو مفسدة، وهذه المصلحة أو المفسدة روعي فيها علاقات الإنسان من جميع النّواحي؛ علاقته بربّه، وعلاقته بالكون والطبيعة، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأفراد عائلته وأفراد المجتمع، وبالتّالي نعرف أنّه لا يمكن لأيّ قانون وضعيّ بشريّ أن يقوم مقام التّشريع الإلهيّ؛ لأنّه لا يمكن لأيّ بشر أن يحيط بالمصالح والمفاسد في كلّ هذه الأبعاد والعلاقات المختلفة. 

ولكن قد تسأل: لماذا يكلّفنا اللهa بهذه التّكاليف التي فيها مشقّة وتحتاج إلى عناء؟ لماذا لم يخلقنا ويدعنا أحراراً من دون أوامر ونواهٍ؟

وفي الجواب عن ذلك نقول: هذه الأحكام وإن كانت فيها مشقّة وعناء، وكانت تقيّدنا بعض الشّيء، إلّا أنّ كلّ هذه الأحكام والتّكاليف هي في صالحنا ونفعنا، وكلّ هذه الأحكام إنّما هي ناشئة من مقتضى رحمة الله، ولطفه، وعطفه، ومحبّته لعباده.

ولكي يتّضح هذا الأمر أضرب هذا المثال التّقريبيّ:

تصوّر أنّه توجد أمٌّ مع ولدها الصّغير في غرفة من الغرف، وكانت في هذه الغرفة مدفأة حارّة جدّاً، بحيث إنّ كلّ من يلامسها يحترق، فهنا توجد حالتان عند الأمّ:

الحالة الأوّلى: أن تقوم الأمّ بنهي ولدها الصّغير عن الاقتراب من المدفأة، وتقول له: يا ولدي لا تقترب من المدفأة؛ لأنّك سوف تحترق.

الحالة الثّانية: أن تسكت الأمّ، وتترك الخيار لولدها بأن يقترب من المدفأة أو لا يقترب، مع أنّه طفل صغير لا يعلم بعواقب الاقتراب من المدفأة.

فهنا نسأل: أيّ الحالتين هي مقتضى الرّحمة والعطف؟ حتماً هي الحالة الأوّلى؛ فإنّ رحمة الأمّ وخشيتها على ولدها وشفقتها عليه تقتضي أن تنهاه عن الاقتراب من المدفأة، حتّى وإن كان في هذا النّهي مشقة على الولد؛ حيث إنّ الولد يحبّ الحركة وفيه حالة الفضول. وهذا بخلاف الحالة الثّانية، فهي خلاف مقتضى الرّحمة والعطف، بل في الحالة الثّانية لو اقترب الطّفل من المدفأة واحترقت يده فإنّ النّاس يلومون هذه الأمّ على تقصيرها في عدم نهي ولدها عن الاقتراب من المدفأة.

والأمثلة الحياتيّة كثيرة، كنهي الأمّ ولدها عن العبث بالسّكّين، وكأخذ الأب ابنَه إلى الطبيب وتزريقه بالإبَر والدّواء حتّى يتعالج ويتشافى، فهذا كلّه في صالح الطّفل، وإن كان فيه مشقّة عليه.

فإذا اتّضح ذلك نقول: إنّ أوامر الله تعالى ونواهيه هي من هذا القبيل، فهي في الواقع في مصلحتنا ونفعنا وإن كانت فيها مشقّة، وإلّا فإنّ في مخالفة أوامره تعالى ونواهيه خسران كبير ووقوعٌ في العذاب والخطر. 

ثمّ إنّ التّكاليف الإلهيّة تجعل الإنسان قادراً على مواجهة الحياة ومشاقّها؛ حيث إنّه من خلالها يمكن أن تبرز طاقات الإنسان المودعة فيه، فإنّ الإنسان يمكنه أن يستعين بالعبادات والطّاعات في مواجهة مشاقّ الحياة ومتاعبها، يقول تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾(البقرة: ٤٥)، وقد ورد عن أهل البيتi أنّ المراد بالصّبر هنا هو الصّوم؛ حيث إنّ الصّائم يصبر عن المفطرات واللذائذ، فالإنسان يستعين بهذه العبادات في حياته، وهذه كلّها فوائد ترجع إلى الإنسان.

النّقطة الرّابعة: تكريم المرأة في الإسلام

الإسلام جاء بمجموعة من الأحكام والقوانين التي تحفظ للإنسان كرامته، بلا فرق بين الرّجل والمرأة في ذلك، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(الإسراء: ٧٠)، فالكرامة إنّما هي للإنسان، لا لخصوص الذّكر أو الأنثى، فالمرأة تتساوى مع الرّجل في الإنسانيّة، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾(الحجرات: ١٣)، وبالتّالي فهما متساويان في الكرامة الإنسانيّة أيضاً.

وكذلك الرّجل والمرأة هما متكافئان من حيث الثّواب على الطّاعة، يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النحل: ٩٧)، فكلٌّ من الرّجل والمرأة إذا أراد أن يعيش حياة طيّبة، سعيدة، وينال الثّواب، فلا بدّ من أن يتوفّر على هذين الأمرين، وهما؛ الإيمان، والعمل الصّالح.

إذاً، لا يتطرّق إلى الإسلام ما يجري على ألسنة النّسويّة من مسألة احتقار المرأة، والحطّ من كرامتها وشأنها، وظلمها، وغير ذلك من الأمور، بل لو كانت النّسويّة منصفة لعدّت الإسلام أحد أهمّ المحطّات التي ساهمت في تكريم المرأة، بعد أن كانت المرأة في المجتمع الجاهلي منحطّة، ومظلومة، ومسلوبة الحقوق، والتّي من جملتها: 

لم تكن المرأة في المجتمع الجاهليّ لها حقّ الاختيار في الزّواج، بل كانت تُزوّج كُرهاً، وتُمنع عن الزّواج ظلماً، وكلّ ذلك بيد الأب أو الأخ.

لم يكن للمرأة الحقّ في الزّواج من غير قبيلتها؛ لأنّ كلّ قبيلة كانت ترى نفسها أرفع من الأخرى، فلا يوجد رجل كفؤ للمرأة إلّا من هذه القبيلة بحسب نظرتهم، وهذا ما كان يسمّى بـ (زواج الأكفَاء).

لم يكن للمرأة الحقّ أن تشكو أمرها لأحد، حتّى لو ضربها الزّوج وآذاها، وكانت متضرّرة منه.

لم تكن المرأة ترث من الرّجل شيئاً أصلاً، بل كلّ الأموال الموروثة تذهب للذّكور.

كانت النّظرة للمرأة نظرة متشائمة، فإذا بُشّر الأب بمولودته الأنثى اغتمّ لذلك، وظلّ وجهه مُسْوَدّاً وهو كظيم، بل كان بعضهم يدفن بناته حيّات.

فهذه وغيرها من الأمور كانت تعاني منها المرأة في المجتمع الجاهليّ، غير أنّ الإسلام جاء وانتشل المرأة من وحل الظّلم والجاهليّة، وأعطاها حقوقاً يجب مراعاتها، ولا يجوز التّعدّي عليها، فجعل لها حرّيّة الاختيار في الزّواج، فلها أن تقبل ولها أن ترفض، وجعل لها نصيباً من الإرث، وأعطاها حقّ الشّكوى على زوجها أو على من يؤذيها، فترفع أمرها إلى الحاكم الشّرعيّ لينظر في أمرها، وغيرها من الأمور الكثيرة التي أعطت المرأة كرامتها اللائقة بحالها في المجتمع.

إلّا أنّ النّسويّة لا تذكر ذلك، ولا تشير أساساً إلى تلك الحقبة المهمّة في تطوّرات قضيّة المرأة، وتقتصر في تاريخها على ذكر ما جرى من إنجازات للمرأة في الغرب، بينما إن صحّ التّعبير يمكن القول بأنّ الإسلام هو الذي انتصر للمرأة، ورفع عنها الظّلم.

النّقطة الخامسة: النّظام الحقوقيّ في الإسلام

لكي يمكننا أن نفهم طبيعة الاختلاف الموجودة في بعض الأحكام بين الرّجال والنّساء في الإسلام، لا بدّ من معرفة -ولو إجمالاً- أنّ النّظام الحقوقيّ في الإسلام قائم على ماذا؟

ولتتّضح الرّؤية التي نريد إيصالها لا بأس أن نتسلسل في الحديث بمجموعة من الأمور:

الأمر الأوّل: معنى العدالة

هل العدالة تعني المساواة؟ من الواضح أنّ المساواة لا تقتضي العدالة دائماً، بل قد يكون في المساواة ظلم، فمثلاً: افترض أنّ شخصين يعملان في مؤسّسة من المؤسّسات بنفس الوظيفة، ولكن كان أحدهما يعمل لمدّة أربع ساعات، والآخر لمدّة ثمّان ساعات، فلو قامت المؤسّسة بإعطائهما أجرة متساوية فهل هذا من العدل؟ من الواضح أنّ في ذلك ظلم لمن كان يعمل أكثر. 

إذاً، العدل لا يعني التّساوي، بل العدل هو وضع كلّ شيء في موضعه، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.

من هنا نعرف أنّه قبل أن نحكم بأنّ هذا القانون عادل أم ظالم لا بدّ من أن نثبت وجود حقٍّ ما في رتبة سابقة، وإلّا فمع عدم الحقّ لا تأتي مسألة العدل والظّلم.

مثلاً: لو أعطى تاجرٌ أحدَ الفقراء خمسين ديناراً، وأعطى الآخرَ مائة دينار، فهل يصحّ -في هذه الحالة- للفقير الثّاني أن يقول بأنّ التّاجر قد ظلمني؟ كلّا؛ لأنّه لم يثبت له حقّ على التّاجر أساساً حتّى يقول بأنّه ظلمني ولم يعطني حقّي.

ونحن نعتقد -كمسلمين- أنّ الحقوق ثابتة من قبل الله تعالى، فهو من خلال ملاحظته للمصالح والمفاسد الفرديّة والمجتمعيّة، والدّنيويّة والأخرويّة، قد أثبت بعض الحقوق التي يجب على الآخرين مراعاتها وعدم الاعتداء عليها، فهذا تفضّل من الله تعالى، وليس لنا حقّ عليه سبحانه وتعالى. 

وبالتّالي نعرف أنّ القول مثلاً بأنّ الحكم في أنّ للمرأة نصف ما للرّجل من الإرث هو حكم ظالم، هو قول بلا معنى؛ لأنّ الظّلم فرع ثبوت الحقّ كما تقدّم[42].

الأمر الثّاني: الاختلافات بين الرّجل والمرأة

صحيح أنّ الرّجل والمرأة من حيث الإنسانيّة لا فرق بينهما، وأنّهما مكرّمان في الإسلام، إلّا أنّ ذلك لا يعني عدم وجود اختلافات وفوارق بين الرّجل والمرأة، سواء فيما يتعلّق بالبدن أم فيما يتعلّق بالحالات النّفسيّة والرّوحيّة، وقد أثبت العلم والعلماء ذلك[43]، وهذا لا ينكره إلّا من أخذت به العصبيّة مأخذها كما في نسويّة المساواة التي تقدّم الكلام عنها، وهذه الاختلافات ليست صنيعة الثّقافة والمجتمع والتّعليم وغيرها من الأمور التي ادّعتها النّسويّة، بل الاختلافات اختلافات حقيقيّة من أصل الخلقة، وهذا أمر لا يختصّ بالإنسان، بل حتّى الحيوانات تختلف ذكورها عن إناثها في البدن والقوّة والخشونة وغيرها، ومن الواضح أنّ الاختلافات عند الحيوانات ليست صنيعة ثقافة ومجتمع، ولعمري إنّ هذا من أوضح الواضحات، ولكن المقام اضطرّنا للحديث عنه.

وبالتالي نعرف أنّ المساواة في المسؤوليات والمهامّ بين الرّجل والمرأة لا تقتضي العدل، بل هو ظلم لأحدهما لا محالة، وهذا ما اعترفت به حتّى بعض النّسويّات كما تقدّم[44].

الأمر الثّالث: ملاحظة النّوع الغالب عند وضع القوانين

العقلاء في أيّ مكان حينما يريدون أن يضعوا القوانين، فإنّهم يلاحظون النّوع الغالب عند النّاس ثمّ يضعون القانون الذي في صالحهم، خصوصاً القوانين المتعلّقة بالأمور الخطيرة، ولا يلحظون فيها الاستثناءات الشّاذّة.

مثلاً: حينما يوضَع قانون مفاده أنّ الشّخص لكي يحصل على رخصة سياقة لا بدّ من أن يصل عمره إلى ثمّانية عشر عاماً، وذلك بعد لحاظ أنّ الغالب بين النّاس أنّهم قبل بلوغ هذا العمر لا يكون ناضجاً بحيث يستطيع التّحكّم بالسّيّارة بشكل صحيح. فلو جاء شخص عمره خمسة عشر عاماً، وقال: أنا أطالب بأن تعطوني رخصة السّياقة؛ لأنّي أمتلك المؤهّلات التي تجعلني أستطيع التحكّم بالسّيّارة، بل ومؤهّلاتي قد تكون أفضل ممّن بلغ الثّامنة عشرة من العمر. فهنا هل الدّولة أو الجهة المسؤولة تستثني هذا الشّخص وتعطيه رخصة السّياقة، أم أنّها ترفض ذلك وتقول: بأنّ القانون لم يلحظ هذه الاستثناءات الشّاذّة، وإلّا للزم الهرج والمرج.

فالكلام هو الكلام في التّشريعات الإسلاميّة، فهي -كسائر التّشريعات العقلائيّة- لم تلحظ الحالات الشّاذّة، بل تلحظ النّوع الغالب في الرّجل، والنّوع الغالب في المرأة، فلا يقبل أن تأتي امرأة وتطالب بأن تكون مثلاً القيمومة لها[45] باعتبار أنّ مؤهّلاتها أكبر من مؤهّلات الرّجل، فهذه حالة لم تُلحظ في التّشريع. وهكذا سائر الأحكام والتّشريعات. 

الأمر الرّابع: قيمة القانون تابعة للهدف منه

حتّى نعطي أيّ قانون تقييماً دقيقاً لا بدّ قبل ذلك من أن نعرف الهدف من هذا القانون، فإذا كان الهدف صحيحاً كان هذا القانون حسناً بشرط أن يكون موصلاً لذلك الهدف، وإن كان الهدف غير صحيح كان هذا القانون قبيحاً.

فهنا نسأل: ما هو الهدف من التّشريعات الإسلاميّة؟

نقول: الهدف هو الوصول إلى السّعادة في الدّنيا والآخرة، وذلك عن طريق السّير نحو التّوحيد الخالص والخروج من الظّلمات إلى النّور، وإلّا فلا سعادة حقيقيّة في غير هذا الطّريق.

فالآن لو سألنا مثلاً: هل الحكم بعدم جواز تولّي المرأة منصب القضاء هو حكم وقانون حسن أم لا؟ 

نقول: إذا عرفنا الهدف المتقدّم من التّشريعات الإسلاميّة نعرف أنّ هذا الحكم وهذا القانون حسن؛ لأنّ منصب القضاء له تبعاته الاجتماعيّة والصّحيّة والنّفسيّة، فالقاضي يعيش حالة من الهمّ والتّوتّر ووخز الضّمير؛ لأنّ أيّ خطأ في الحكم يصدر منه قد يؤدّي إلى إتلاف نفس محترمة، أو ضياع حقّ، وهذا لا يتناسب طبيعة المرأة؛ لأنّ المرأة بطبيعتها تمتلك من العاطفة الشّيء الكثير. وبالتّالي فالحكم بعدم جواز تولّيها منصب القضاء يتناسب مع الهدف وهو الوصول إلى الله تعالى والّذي فيه السّعادة الحقيقة؛ إذ من الواضح أنّ المرأة كلّما ابتعدت عن هذا المنصب كانت أهدأ وأكثر اطمئناناً، وهذا يساعدها في تحقيق الهدف. أما الرّجل فهو يقوم بهذه الوظيفة من باب المسؤوليّة فقط، ولكنّه يستطيع أن يسيطر على نفسيّته بشكل أكبر؛ باعتبار أنّه لا يمتلك تلك الكميّة من العاطفة التي تمتلكها المرأة. 

إذا اتضّحت هذه الأمور الأربعة، نقول: إنّ الأحكام الإسلاميّة قد روعي فيها جانب العدل، فالإسلام في تشريعاته يلحظ كثيراً من الأمور، يلحظ تعدّد الحاجات والرّغبات، ويلحظ تفاوت الملكات والقدرات، ثمّ يوزّع الأدوار والمهام والمسؤوليات بطريقة محكمة مراعياً تلك التّفاوتات والاحتياجات، وهذا التّوزيع المحكم يؤدّي إلى أن يصل الإنسان والمجتمع البشريّ إلى تحقيق السّعادة الدنيويّة والأخروية، ويستطيع الإنسان من خلال هذه الأدوار أن يتكامل في جميع الأصعدة؛ الفرديّة، العائليّة، المجتمعيّة.

فلا يعني اختلاف الأحكام والقوانين بين الرّجل والمرأة تمييزاً إنسانيّاً وظلماً، بل هو اختلاف يقتضيه نفس التّفاوت في القابليّات والاستعدادات الطّبيعية، وهذا هو عين العدل والإنصاف.

الخاتمة

بعد أن استعرضنا تاريخ النّسويّة، وشعاراتها والقضايا التي ركّزت عليها، وآثاراها المدمّرة للمجتمع، وعرفنا أنّ النّسويّة الموجودة في الدّول العربيّة ليست إلّا استنساخاً لما عند الغرب، فإنّ العاقل عليه أن يتوقّع أنّ نفس الآثار السّيّئة الّتي حدثت في الغرب، فإنّها ستحدث في مجتمعاتنا فيما لو أخذنا بتلك التّعاليم النّسويّة.

وفي الحقيقة والواقع إنّ مجرّد الإيمان بالتّعاليم الإسلاميّة يمنع الإنسان المؤمن من اتّباع هذه المباني الغربيّة الحديثة، ويمنع عن القبول بالنّظريّات النّسويّة؛ لأنّ كلّ تلك المباني والنّظريّات؛ من المساواة المطلقة، والحرّيّة المطلقة، والعقلانيّة، والفرديّة الذّاتيّة، والإنسانويّة بالمعنى الذي يريدونه، والمادّيّة، وغيرها، هي ممّا تخالف روح الإسلام؛ فالإسلام نظرته مغايرة تماماً لهذه الأمور كما أشرنا لذلك في طيّات البحث، فلا يمكن التّوفيق بين تلك النّظريّات الوضعيّة البشريّة وبين النّظريات الإسلاميّة الإلهيّة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا ويحفظ أمّتنا الإسلاميّة من الزّيغ والضّلال، وأن يثبّتنا على صراط الحقّ، إنّه على كلّ شيء قدير. والحمد لله ربّ العالمين.


 


[1] فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص19.

 

[2] حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر.. دراسة نقديّة إسلاميّة، مثنى أمين الكردستانيّ، ص53.

 

[3] الحداثة هي حركة فلسفيّة وفنّيّة نشأت، إلى جانب الاتّجاهات الثّقافيّة والتّغيّرات، من تحوّلات واسعة النّطاق وبعيدة المدى في العالم الغربيّ خلال أواخر القرن التّاسع عشر وأوائل القرن العشرين. من ضمن العوامل التي صاغت الحداثة تطوّر المجتمعات الصّناعيّة الحديثة ونموّ المدن السّريع، ولاحقاً ردود الفعل على أهوال الحرب العالميّة الأوّلى. رفضت الحداثة قطعيّة التّفكير التّنويريّ، على الرّغم من أنّ العديد من الحداثيّين رفضوا المعتقدات الدّينية أيضاً. (الحداثة والقوميّة والرواية، بريكليس لويس. باللّغة الإنجليزيّة).

 

[4] اللّيبراليّة هي فلسفة سياسيّة أو رأي سائد برزت في عصر التّنوير، وتأسّست على أفكار الحرّيّة والمساواة. يتبنّى اللّيبراليّون مجموعة واسعة من الآراء تبعاً لفهمهم لهذين المبدأين، ولكن يدعم اللّيبراليّون بصفة عامّة أفكاراً مثل حرّيّة التّعبير، وحرّيّة الصّحافة، والحرّيّة الدِّينية، والسّوق الحرّ، والحقوق المدنيّة، والمجتمعات الديمقراطيّة، والحكومات العلمانيّة، ومبدأ الأمميّة. (الأجندة اللّيبراليّة للقرن الحادي والعشرين. باللّغة الإنجليزيّة).

 

[5] الذي كان يرى بأنّ الحقوق الطّبيعيّة للإنسان منشؤها هو مقدار حكمة الإنسان، وبما أنّ حكمة المرأة هو أمر مشكوك فيه، فإنّه ليس لها أن تحصل على تلك الحقوق.

 

[6] فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص44- 45.

 

[7] الماركسيّة الجديدة هي مدرسة فكريّة ماركسيّة تشمل مناهج القرن العشرين التي تعدّل أو توسّع الماركسيّة، ونظريّتها عادةً من خلال دمج عناصر من التّقاليد الفكريّة الأخرى، مثل النّظرية النقديّة، أو التّحليل النّفسيّ، أو الوجوديّة. (معجم علم الاجتماع، سكوت ، جون ، وجوردون مارشال ، 1998. . مطبعة جامعة أكسفورد. باللّغة الإنجليزيّة).

 

[8] اللّيبراليّة الجديدة تهدف إلى التّوفيق بين حقوق الفرد والجماعة، وتسمح للدّولة بالتّدخّل ووضع معايير أكثر إيجابيّة للتّحقّق من وجود فرص متساوية للأفراد لنيل الحرّيّة والنّجاح. (الأيديولوجيّات السّياسيّة المعاصرة، ايتويل روجر ١٩٩٩. باللّغة الإنجليزيّة).

 

[9] ما بعد الحداثة هي حركة فكريّة واسعة نشأت في النّصف الثّاني من القرن العشرين كردّ فعل على ادّعاءات المعرفة القديمة المنتهية والمرتبطة بحداثة عصر النّهضة، ولإنهاء الافتراضات المزعوم وجودها في الأفكار الفلسفيّة الحداثيّة المتعلّقة بالأفكار والثّقافة والهويّة والتّاريخ، وتحطيم السّرديّات الكبرى وأحادية الوجود واليقين المعرفيّ، وتبحث في أهمّيّة علاقات القوّة، والشّخصنة أو إضفاء الطّابع الشّخصيّ، والخطاب داخل بُنية الحقيقة والرّؤى الشّموليّة. وينطلق العديد من مفكري ما بعد الحداثة من إنكار وجود واقع موضوعيّ، ومن إنكار وجود قيم أخلاقيّة موضوعيّة، والتّشكيك في السّرديّات الكبرى، والبحث عن خيارات جديدة. وتشمل الأهداف المشتركة لنقد ما بعد الحداثة الأفكار العالميّة للواقع الموضوعيّ، والأخلاق، والحقيقة، والطّبيعة البشريّة، والعقل، والعلم، واللغة، والتّقدّم الاجتماعيّ. وفقاً لذلك، يتميّز الفكر ما بعد الحداثيّ على نطاق واسع بالميل إلى الوعي الذاتيّ، والإحالة الذاتيّة، والنّسبيّة المعرفيّة والأخلاقيّة، والتّعدّدية، وعدم الاحترام. وانتقادات ما بعد الحداثة متنوّعة فكريّاً، وتشمل الحجج القائلة بأنّ ما بعد الحداثة تروّج للظّلاميّة، ولا معنى لها، وأنّها لا تضيف شيئاً إلى المعرفة التّحليليّة أو التّجريبيّة. (معالم الغد، نيويورك:الأخوة هاربر، بيتر دركر، باللّغة الإنجليزيّة).

 

[10] التّفكيكيّة هي نظريّة صاغها الفيلسوف الفرنسيّ جاك دريدا، وهي أسلوب فهم العلاقة بين النّصّ والمعنى. هدف التّفكيكيّة هو إظهار أنّ استخدام اللّغة في نصٍّ ما -واللّغة ككلّ- معقّد غير قابل للتّبسيط، وغير مستقرّ، أو مستحيل. (الموسوعة البريطانيّة. باللّغة الإنجليزيّة)

 

[11] فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص81، نقلاً عن كتاب ماهّيّة النّسويّة: مدخل إلى النّظريّة النّسويّة، لـ(كريس بيسلي)، ترجمه إلى الفارسيّة محمّد رضا زمرّديّ، ص85.

 

[12] سيمون دي بوفوار (9 يناير 1908 - 14 أبريل 1986)، كاتبة ومفكّرة فرنسيّة، وفيلسوفة وجوديّة، وناشطة سياسيّة، ونسويّة إضافة إلى أنّها منظّرة اجتماعيّة. اشتهرت بكتابها (الجنس الآخر) والذي كان عبارة عن تحليل مفصّل حول اضطهاد المرأة، وبمثابة نصّ تأسيسيّ للنسويّة المعاصرة. (المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة)

 

[13] فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص164. نقلاً عن كتاب (الجنس الآخر) لسيمون دي بوفوار، ص363.

 

[14] تعريف الجندر في الموسوعة البريطانيّة: "هو شعور الإنسان بنفسه كذكر اݦݧٔو اݦݧٔنثى، ولكن هناك حالات لا یرتبط فیها شعور الإنسان بخصائصه العضویّة، ولا یكون هناك توافق بین الصّفات العضویّة وهویّته الجندریّة. إنّ الهویّة الجندریّة لیست ثابتة بالولادة، بل توݦݧٔثّر فیها العوامل النّفسیّة والاجتماعیّة بتشكیل نواة الهویّة الجندریّة، وتتغیّر وتتوسّع بتاݦݧٔثیر العوامل الاجتماعیّة كلّما نمى الطّفل". (مجلّة الاستغراب، العدد 16، ص56).

 

[15] راجع: فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص188. وكذلك: مجلّة الاستغراب، العدد 16، ص57.

 

[16] حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر.. دراسة نقديّة إسلاميّة، مثنى أمين الكردستانيّ، ص162. وكذلك: فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص197.

 

[17] فمينيزم (الحركة النّسويّة)، نرجس رودكر، تعريب هبة ضافر، ص235.

 

[18] راجع: حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر.. دراسة نقديّة إسلاميّة، مثنّى أمين الكردستانيّ، ص157 وما بعدها. وكذلك: مجلّة الاستغراب، عدد 16، ص15- 16.

 

[19] مفهوم النّسويّة.. دراسة نقديّة في ضوء الإسلام، أمل الخريِّف، ص139.

 

[20] المصدر نفسه، ص140.

 

[21] المصدر نفسه، ص116.

 

[22] راجع المصدر السابق، ص87.

 

[23] حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر.. دراسة نقديّة إسلاميّة، مثنّى أمين الكردستانيّ، ص209.

 

[24] أديبة مصريّة وروائيّة معاصرة، وطبيبة نفسانيّة، ماركسيّة المنحى، وُلدت عام 1930م، لها كتابات جريئة وحادّة حول المرأة، نشرت قرابة عشرين كتاباً في مجالات متعدّدة، منها: (المرأة والجنس)، و(الوجه العاري للمرأة العربيّة).

 

[25] مفهوم النّسويّة.. دراسة نقدية في ضوء الإسلام، أمل الخريِّف، ص89.

 

[26] كاتبة نسويّة، وعالمة اجتماع مغربيّة، وُلدت عام 1940م، تركّز في كتاباتها على الإسلام والمرأة، لها عدّة مؤلّفات باللّغة الفرنسيّة والإنجليزيّة والعربيّة، منها: (ما وراء الحجاب)، و(أحلام النّساء الحريم).

 

[27] مفهوم النّسويّة.. دراسة نقديّة في ضوء الإسلام، أمل الخريِّف، ص91.

 

[28] حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر.. دراسة نقديّة إسلاميّة، مثنّى أمين الكردستانيّ، ص215.

 

[29] ناشطة اجتماعيّة مصريّة، وُلدت عام 1879م، وتعتبر أوّل فتاة مصريّة تظهر من غير حجاب في مصر، أسّست جمعيّة (الاتّحاد النّسائيّ)، وعقدت عدّة مؤتمرات.

 

[30] أديبة وصحفيّة وروائيّة مصريّة، وُلدت عام 1919م، عملت رئيسة لمجلّة (حواء)، لها عدّة مؤلّفات، منها: (نساء عاريات)، و(مشاهداتي في الهند)، وكانت تتهجّم على الإسلام، وتستهزئ بالحجاب.

 

[31] تقدّمت ترجمتها.

 

[32] محامٍ مصريّ، وكاتب قبطيّ نصرانيّ، وُلد عام 1870م، له عدّة مؤلّفات، أهمّها: (المرأة في الشّرق) الذي أحدث هزّة كبيرة في المجتمع؛ لأنّه طرح فيه أمور خطيرة، منها: القضاء على الحجاب الإسلاميّ، وإباحة الاختلاط بين الجنسين، ومنع الزّواج بأكثر من زوجة. 

 

[33] مفكّر عربيّ مصريّ، وُلد عام 1887م، عُرف بدعوته إلى التّجديد في اللّغة والأدب، والأخذ بالثّقافة العلميّة والأفكار الاشتراكيّة، له عدّة مؤلّفات، أهمّها: (نظرية التّطور وأصل الإنسان).

 

[34] مفهوم النّسويّة.. دراسة نقديّة في ضوء الإسلام، أمل الخريِّف، ص88.

 

[35] تقدّمت ترجمتها.

 

[36] كاتب سوريّ، مهندس، ظهرت له مع التّسعينات كتابات، منها: (الكتاب والقرآن.. قراءة معاصرة).

 

[37] مؤلّف ومنظّر تونسيّ، وُلد عام 1899م، له نشاط في تحرير المرأة التّونسيّة، له عدّة مؤلّفات، منها: (امرأتنا في الشّرعيّة والمجتمع).

 

[38] الكلام الإسلاميّ المعاصر، عبدالحسين خسروپناه، ج1، ص335، نقلاً عن كتاب الشّريعة في مرآة المعرفة للجواديّ الآمليّ، ص93- 95، النّسخة الفارسيّة.

 

[39] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج73، ص149.

 

[40] المصدر نفسه، ج100، ص219.

 

[41] غرر الحكم، الآمديّ، ص206.

 

[42] وإن كان هذا القول بعيد عن الإنصاف، فإنّ المرأة في كثير من الحالات ترث أكثر من الرّجل، بل قد ترث أضعاف ما يرثه الرّجل. ولتفصيل ذلك راجع كتاب: مقالات حول حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور، ص52.

 

[43] لمطالعة أقوال هؤلاء العلماء راجع كتاب: مقالات حول حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور، ص35- 40.

 

[44] حين الحديث عن نسويّة الاختلاف.

 

[45] "المراد من القيمومة للرّجل هو إناطة تدبير شؤون الحياة بالرّجل فيما يتّصل بالحكم والقضاء والحرب والسّلم، وتحديد طبيعة العلاقات العامّة وغير ذلك ممّا يتّصل بالشّأن العامّ، وأمّا القيمومة في محيط الأسرة فهي تدبير شؤون النّفقة والسّكن والأوّلاًد فيما يرتبط بتعليمهم وتربيتهم ومعالجتهم وحمايتهم ورعاية أموالهم وحقوقهم وصلاحيّة الدّفاع عنها بما يتناسب ومصالحهم". (مقالات في حقوق المرأة، الشّيخ محمّد صنقور، ص41).

 


0 التعليق


ارسال التعليق

احدث المقالات

الاكثر زيارة

الاكثر تعليقا